بالجبن، وفرضت على تموثيوس غرامة باهظة لا قبل لأحد بأدائها قدرها مائة وزنة (٠٠٠ ر ٦٠٠ ريال أمريكي)، فلم يجد أمامه سبيلاً إلا الفرار من البلاد، وبرئ إفكرتيز ولكنه لم يقم لأثينة بخدمة ما فيما بقي من حياته. وأحبط الثوار كل ما بذلته من محاولات لإخضاعهم، فاضطرت في عام ٣٥٥ إلى أن توقع صلحاً تعترف فيه باستقلال بلادهم، وأضحت المدينة العظيمة بلا أحلاف، ولا زعماء، ولا مال، ولا أصدقاء.
ولعل عوامل أخرى أدق وأخفى من العوامل السابقة كان لها أثر في إضعاف أثينة. ذلك أن حياة الفكر تعرض للخطر كل حضارة تزدان بهذه الحياة. ففي المراحل الأولى من تاريخ الأمة قل أن يكون للتفكير وجود، بل الذي يسود وينتشر هو العمل، ويكون الناس في هذه المراحل صريحين، محررين من عوامل الكبت جريئين في مشاكساتهم وصلاتهم الجنسية. وكلما ارتقى مدارج الحضارة وفرضت عليهم العادات، والأنظمة، والشرائع، وقواعد الآداب والأخلاق، قيوداً تزداد على مر الأيام كبتاً للغرائز، حل التفكير محل العمل، والخيال محل الإقدام، والاحتيال محل الصراحة، والخفاء محل التعبير الصادق، والعطف محل القسوة، والشك محل اليقين؛ وزالت الوحدة الأخلاقية التي يشترك فيها الإنسان البدائي مع الحيوان؛ وأصبح السلوك مجزءاً طابعه التردد، والإدراك، وتقدير العواقب؛ وضعفت الرغبة في القتال، واستحالت ميلاً إلى الجدل الذي لا يقف عند حد. وما أقل الأمم التي استطاعت أن تصل إلى الرقي العقلي والإحساس القوي بالجمال من غير أن تضحي في سبيل ذلك بالقدر الكثير من رجولة أبنائها ووحدتهم، فلم تستطيع صد الأقوام الهمج المعدمين الطامعين في ثروتها. فحول كل رومة يحوم الغاليون، وحول كل أثينة يحوم المقدونيون.