لم تلبث اليابان نصف قرن إلا وقد غيرت كل وجه من أوجه حياتها؛ فتحرر الفلاح رغم فقره، وأصبح في مستطاعه أن يملك جزءاً متواضعاً من الأرض يدفعه ضريبة سنوية أو أجراً سنوياً للدولة، ولم يكن من حق أحد من سادة الإقطاع أن يقف في سبيله لو أراد أن يترك الزراعة ليلتمس وسيلة رزقه في المدن؛ ذلك لأن مدناً عظمى قامت عندئذ على طول الساحل؛ منها "طوكيو"(التي معناها العاصمة الشرقية) بقصورها الملكية والأرستقراطية وحدائقها الفسيحة وحماماتها المزدحمة وعدد سكانها الذي لم يفقها فيه إلا لندن ونيويورك، ومنها "أوساكا" التي كانت في سابق عهدها قرية للسّماكة وحصناً، فأصبحت اليوم جباً مظلماً من الأكواخ الحقيرة والمصانع وناطحات السحاب، وهي مركز الصناعات في اليابان، ومنها "يوكوهاما" و "كوبي" اللتين ترسلان من مرفأيهما الهائلين المعدين بكل ضروب الآلات الحديثة، تلك الصناعات إلى مئات المواني، محملة على ثاني أسطول تجاري في العالم (١).
واستعانت البلاد في وثبتها من نظام الإقطاع إلى النظام الرأسمالي باستخدامها لكل وسيلة ممكنة استخداماً لم يسبق له نظير؛ فاستدعت الخبراء الأجانب الذين وجدوا من مساعديهم اليابانيين طاعة المتحرق لمعرفة إرشاداتهم؛ ولم
(١) يدل الإحصاء الرسمي الأخير على أن سكان يوكوهاما ستمائة وعشرون ألفاً، وسكان كوبي سبعمائة وسبعة وثمانون ألفاً، وأوساكا ٨٠٤ ر ١١٤ ر ٢، وطوكيو العظمى ٠٠٠ ر ٣١١ ر ٥.