المدن الكبيرة مثل باريس، وديجون. واكتسحت الحرب، نورمانديا بالخراب، من الأمام ومن الخلف، كتيار قاتل خبيث، بل هلك ثلث سكان لانجدوك، وهي تعد أحسن حظاً، وهرب الفلاحون إلى المدن، واعتصموا بالكهوف، أو تحصنوا بالكنائس، كلما اقتربت الجيوش أو أحزاب الإقطاع أو عصابات اللصوص. ولم يعد الكثيرون من الفلاحين إلى ممتلكاتهم المضطربة وإنما عاشوا بالتكفف والسرقة، أو هلكوا من الجوع أو الطاعون. وأقفرت الكنائس، والمزارع ومدن بأسرها وتركت للبلي. وقد كان في باريس وحدها عام ١٤٢٢، أربعة وعشرون ألف بيت مقفر، وثمانون ألف متسول من مجموع السكان الذي يبلغ عددهم ثلثمائة ألف نسمة. وأكل الناس لحم الكلاب وامعائها. وملأت الطرقات صيحات الأطفال المشرقين على الموت جوعاً.
[٦ - الحياة بين الأطلال]
كانت الأخلاق، كما يتوقع المرء في كل إقليم يصاب بالشلل الطويل المحزن في الاقتصاد والحكومة. ولقد ألف جيوفري دي لاتور لاندري، حوالي عام ١٣٧٢، كتابين يرشد بهما أطفاله في هذه الفوضى، ولم يبقَ منهما غير ما وجهه إلى بناتهِ. وهو مجلد رقيق لطيف عامر بالحب الأبوي، مشوب بالهم على عفة غير آمنة وبخاصة، في زمن اقترفت فيه نساء كثيرات، الخطايا بلا جزع مما أوقعهن في فضائح مزرية. ورأى الفارس الطيب أن يقاوم هذه المغريات، وذهب إلى أن خير وقاية هي الإكثار من الصلاة. ويعرض الكتاب لعصر، لم يزل متشبثاً بالمشاعر المصقولة، والحس الأخلاقي. ونحن نلتقي بعد ذلك بسبعين سنة بشخصية منكرة، هي شخصية المارشال دي ريز أورتز، وهو رجل غني عظيم وسيد بريتاني. واعتاد أن يدعو الأطفال إلى قلعتهِ. بحجة تدريبهم على الترتيل الكنسي، ثم يقتلهم الواحد بعد آخر ويقدمهم قرباناً للشياطين، التي كان ينشد عندها القوى السحرية.