إن الجانب المثير والداعي إلى الدهشة في حياة الحبس هذه هو الإخلاص الدائم والعميق لهؤلاء المساعدين الذين صحبوا نابليون إلى سانت هيلينا ومن المفترض أن عطر الشهرة المُسْكر قد حفزهم على المزيد من خدمته، لكن إصرارهم على هذا ومثابرتهم عليه رغم قيود المنفى وحنينهم إلى وطنهم، يكاد يضفي على ذكراهم طابعا أسطوريا Arthurian Legend، فهم قد واصلوا إخلاصهم بل وتعاركوا متنافسين على خدمة الإمبراطور، رغم المناخ القاسي المسبب للإحباط، ورغم حاكم الجزيرة غير المقبول منهم. لقد كان إخلاصهم نبيلا رغم الغيرة.
وكان أنبلهم جميعا هو الكونت هنري - جراتيا بيرتران Henri-Gartien Bertrand (١٧٧٣ - ١٨٤٤) . لقد دخل التاريخ كمهندس في أثناء معركة نابليون الأولى في إيطاليا. وفي الحملة الفرنسية على مصر قاد كتيبة في معركة الأهرام، وجُرِح في أثناء معركة أبي قير، وكانت الجسور التي أقامها على الدانوب في معركة ١٨٠٩ تُعد على وفق تقدير نابليون من أجمل الكباري (الجسور) منذ عهد الرومان.
وفي سنة ١٨١٣ تم تعيينه مارشالا لحراسة القصر. وظل مواليا لنابليون خلال الأعوام المريرة التي انسحب (تراجع) فيها نابليون أمام الحلفاء، وصحبه إلى إلبا Elba وظل معه طوال المائة يوم (بعد العودة إلى فرنسا) وركب معه إلى روشفور Rochefort وأبحر معه إلى إنجلترا وسانت هيلينا وظل في سانت هيلينا مارشالا لمحل الإقامة، يُعاين الزوّار ويهدِّئ الغِضاب ويلّطف الجو بين نابليون وحاكم الجزيرة، وتحمل بصبر متسامح محاولة اغتصاب زوجته. لقد كانت إنجليزية مخلّطة (كيرول Creole) ابنة أخ اللورد ديلون Dillon وتمت بصلة قرابة لجوزيفين. وتحملت عزلتها بصبر نادر في سانت هيلينا تاركة الحياة الاجتماعية في باريس. وقد صحبها بيرتران عائداً بها إلى فرنسا بعد موت نابليون بخمسة أشهر، وكتب ثلاثة مجلدات عن يوميات سانت هيلينا ولكنه رفض