المبلغ الذي منحه له أصدقاؤه وكان يقدر بنحو عشرين جنيهاً (٢٠٠٠ دولار) لأن القانون الإنجليزي يحرم تصدير الذهب أو الفضة. وزاد الطين بلة أن أحدهم، وإن لم يكن محاميا كبيراً، أشار عليه خطأ بأن التحريم لا يسري إلا بالنسبة للعملة الإنجليزية، فغيرها أرازموس ولم تجد إنجليزيته المتعثرة ولا لاتينيته المختلة في الانحراف بصرامة القانون التي لا ترحم واستقل أرازموس سفينة إلى فرنسا وهو خالي الوفاض بالفعل. قال:"لقد عانيت من الغرق قبل أن أذهب إلى البحر".
[٢ - المشائي]
وبعد إقامة بضع شهور في باريس نشر أول عمل هام له وهو مجموعة أقوال مأثورة وتضم ٨١٨ مثلا أو شاهداً، معظمها لمؤلفين من القدامى. وكان إحياء المعرفة. أي الأدب القديم- قد وضع تقليداً دارجاً بأن يزين المرء آراءه باقتباس من مؤلف يوناني أو لاتيني، ونرى هذا التقليد بصورة متطرفة في مقالات مونتيني وفي كتاب "تشريح السوداء" لبرتون. وتريث هذا التقليد في القرن الثامن عشر في عهد الخطابة الجدلية بإنجلترا. وأرفق أرازموس كل قول مأثور بتعليق، يشير عادة إلى الاهتمام السائد ويمليه ذكاء يمتزج بالسخرية والهجاء. وقد علق قائلا:"ورد في الكتاب المقدس أن القسس يلتهمون خطايا الناس فيجدون أن الخطايا عسيرة الهضم ولا بد من أن يرتشفوا أحسن الأنبذة للخلاص منها". وكان الكتاب نعمة للكتاب والمتحدثين وبيع منه الكثير لمدة عام استطاع فيه أرازموس أن يعول نفسه دون الاعتماد على أحد. وعلاوة على هذا فإن كبير الأساقفة وارهام استحسن الكتاب على الرغم من لذعاته وأرسل للمؤلف مبلغاً من المال على سبيل المنحة وعرض عليه الإقامة في إنجلترا. ومهما يكن من أمر فإن أرازموس لم يكن على استعداد لترك القارة والإقامة في جزيرة وفي الأعوام الثمانية التالية