يشبعونك بالقبلات وإذا عدت فإن تحياتك ترد إليك … وأينما يتم اجتماع فهناك تحيات وافرة وحيثما تلتفت تجدها تلاحقك. أواه يا فاوستوس! لو ذقت مرة عذوبة هذه الشفاه وشذاها لتمنيت أن تكون سائحاً لا لمدة عشر سنوات مثل سولون بل طوال حياتك في إنجلترا".
والتقى أرازموس في بيت ماونتجوى في جرينوتش بتوماس مور، وكان حينئذاك لا تتجاوز سنة الثانية بعد العشرين ولكنه مع ذلك كان له من المكانة ما استطاع به أن يقدم العالم إلى قدر له بعد ذلك أن يكون هنري الثامن. وسره في أكسفورد على الأغلب عدم الكلفة في صحبة الطلبة وفي الكلية كما سرته أحضان ربات البيوت الريفية. وهناك تعلم كيف يحب جون كوليت الذي أذهل عصره باعتناقه المسيحية على الرغم من أنه كان محققا وعلامة في علم الأديان القديمة وتأثر أرازموس بتقدم علم الإنسانيات في إنجلترا: "عندما أسمع عزيزي كوليت يخيل إلي أني أستمع لأفلاطون نفسه. من لا يعجب في جروسين يرى عالما كاملا للمعرفة مثل هذا؟ ماذا يمكن أن يكون أذكى وأعمق من حكم ليناكر؟ وماذا أبدعت الطبيعة أكثر رقة وحلاوة وسعادة من عبقرية توماس مور؟ ".
لقد اثر هؤلاء الرجال تأثيراً عميقاً في إصلاح حال أرازموس فتحول من شاب مغرور طائش، أسكرته خمر الكلاسيات وفتنة النساء، إلى عالم جاد مدقق تواق لا إلى المال والشهرة فحسب ولكن إلى تحقيق عمل مفيد دائم. وعندما غادر إنجلترا (يناير عام ١٥٠٠) كان قد استقر عومه على أن يدرس وينشر النص اليوناني للعهد الجديد لأن الجوهر الخالص لتلك المسيحية الحقة في نظر المصلحين وعلماء الإنسانيات على السواء، قد أخفته وموهت عليه العقائد وتكاثرها على مر القرون.
وأظلمت ذكرياته الجميلة عن هذه الزيارة الأولى لإنجلترا بما حدث في الساعة الأخيرة. فبينما كان يجتاز الجمارك في دوفر صادرت السلطات