كان لا بد للإنسان في مرحلة سكنى الغاب أوفى مرحلة الصيد أن يكون شرهاً- حريصاً في بحثه عن الطعام، نهما في ابتلاعه - لأنه إذا جاءه الطعام مرة لا يدري متى يأتيه مرة أخرى. وكان لا بد له أن يكون شديد الحساسية الشهوانية، وكثيراً ما يطلق لهذه الشهوات العنان، فلا يتقيد بزواج لأن ارتفاع نسبة الوفيات تحتم ارتفاع نسبة المواليد، فكل امرأة يجب أن تصير أما كلما كان ذلك مستطاعاً، ولا بد أن تكون وظيفة الذكر حامية على الدوام. ولا بد أن يكون مشاكساً دائم الاستعداد للقتال من أجل طعامه ورفيقته.
لقد كانت الرذائل في وقت ما فضائل لا غنى عنها للمحافظة على البقاء، فلما وجد الإنسان أن أحسن سبيل إلى البقاء - بقاء الفرد وبقاء النوع - هي سبيل التنظيم الاجتماعي، وسع نطاق عصبة الصيد، فجعلها هيئة من النظام الاجتماعي لا بد فيها من كبح جماع الغرائز التي كانت عظيمة النفع في مرحلة الصيد عند كل خطوة يخطوها الإنسان، حتى يستطاع بذلك قيام المجتمع. فليست كل حضارة إلا توازناً وتجاذباً بين غرائز الإنسان ساكن الغابة وقيود