القانون الأخلاقي، فإذا وجدت الغرائز دون القانون الأخلاقي قضى على الحضارة، وإذا وجدت القيود دون الغرائز قضى على الحياة، فالمشكلة التي تواجهها الأخلاق هي أن تنظم القيود بحيث تحمي الحضارة دون أن توهن الحياة.
وكانت بعض الغرائز، وأكثر ما تكون غرائز اجتماعية، هي صاحبة السبق في تهدئة العنف البشري، والاختلاط الجنسي الطليق، والشره، وكانت هي أساساً حيوياً للحضارة. فقد خلق الحب الأبوي، في الحيوان والإنسان، نظام الأسرة الاجتماعي الفطري، وما فيها من تأديب تعليمي، ومساعدة متبادلة، ونقلت السلطة الأبوية، وهي مزيج من ألم الحب ومتعة الاستبداد، قانون السلوك الاجتماعي المنقذ للحياة إلى الطفل صاحب النزعة الفردية. وأحاطت القوة المنظمة التي يمارسها الزعيم، أو الشريف، أو وتمارسها المدينة أو الدولة، أحاطت هذه القوة وداجت إلى حد كبير قوة الأفراد غير المنظمة. وأخضع حب الاستحسان النفس البشرية إلى إرادة الجماعة، وهدت العادة والمحاكاة من حين إلى حين المراهق والمراهقة إلى السبل التي ارتضاها الناس عد تجاربهم وأخطائهم. وأرهب القانون الغرائز بشبح العقاب، وذلل الضمير الشاب بطائفة لا حصر لها من الموانع والمحرمات.
واعتقدت الكنيسة أن هذه المنابع الطبيعية أو الزمنية للأخلاق لا تكفي وحدها للسيطرة على الدوافع التي تحفظ الحياة في الغابة، بل تقضي على النظام في المجتمع، وقالت إن هذه الدوافع أقوى من أن تكبحها أية سلطة لا تكون لها في كل مكان وفي وقت واحد قوة مانعة رهيبة. ولهذا القانون الأخلاقي شديد الوقع على الجسم لا بد له أن يكون مختوماً بخاتم قوة غير بشرية إذا أريد أن يطيعه الناس، ولا بد له أن يكون مؤيداً بقوة إلهية وذا مكانة فوق المكانة الآدمية تحترمها النفس في غياب كل سلطة، وفي أثناء لحظات الحياة وخباياها الخفية، إن السلطة الأبوية نفسها، وهي عماد كل نظام أخلاقي واجتماعي، لتنهار في النزاع