القائم ضد الغرائز البدائية إلا إذا كان لها دعامة من العقيدة الدينية تغرس في قلب الطفل. فإذا أريد خدمة المجتمع ونجاته، فلا بد له من دين يقاوم الغرائز الملحدة بأوامر ليست من عند البشر ولا تقبل قط نزاعاً، بل هي أوامر من عند الله نفسه، محددة واضحة لا تقبل جدلا. وإذ كان الإنسان شديد الإثم والشراسة فإن هذه الوصايا الإلهية يجب ألا يؤيدها الثناء والشرف اللذان يمنحنهما الناس من يطيعونها، أو الخزي والعقاب اللذان يلحقان بمن يخرج عليها، بل يجب أن يؤيدها، فضلا عن هذا، الأمل في نعيم السماء تناله الفضيلة التي لا تلقى جزاءها في هذه الدنيا، وخوف الجحيم التي يتردى فيها الآثمون الذين لا يلقون على ظهر الأرض عقاباً. إن هذه الوصايا يجب ألا تأتي من عند موسى بل عند الله.
وكانت عقيدة الخطيئة الأولى في اللاهوت المسيحي هي التي مثلت بها النظرية القائلة إن الغرائز البدائية تجعل الإنسان غير صالح للحضارة وكانت هذه النظرية، كما كانت فكرة"كارما" في الديانة الهندية محاولة قصد بها ما يحل بالناس من آلام هم في الظاهر غير خليقين بها، وهذا التفسير هو أن "الصالحين يقاسون الآلام في هذه الحياة لأن أسلافهم ارتكبوا الإثم، وتقول النظرية المسيحية إن الجنس البشري على بكرة أبيه قد لوثته خطيئة آدم وحواء، ويقول جراتيان Gratiun في كتابه Decrtum (القرار)(حوالي عام ١١٥٠) الذي اتخذته الكنيسة بصفة غير رسمية جزءاً من تعاليمها: كل آدمي ولد نتيجة لاتصال الرجل بالمرأة يولد ملوثاً بالخطيئة الأولى؛ معرضاً للعقوق والموت، ولهذا فهو طفل مغضوب عليه (١) لا ينجيه من الخبث واللعنة إلا رحمة الله وموت المسيح الذي كفر عن آثامه (ولا ينقذ الإنسان من العنف، والشهوة، والشره، وينجيه هو والمجتمع الذي يعيش فيه من الهلاك إلا المثل الذي ضربه المسيح الشهيد في الوداعة ودماثة الخلق). وبعثت الدعوة إلى هذه العقيدة، مضافة إلى الكوارث الطبيعية التي لم تستطع العقول فهمها إلا على عقاب عن الخطايا، بعثت هذه