الدعوة في الكثيرين من الناس في العصور الوسطى شعوراً بأنهم مفطورون على الدنس، والانحطاط، والإجرام، وهو الشعور الذي غلب على كثير من أدبهم قبل عام ١٢٠٠. ثم أخذ ذلك الشعور بالخطيئة والخوف من الجحيم يتناقض حتى جاء عهد الإصلاح الديني، وظهر بعدئذ بقوة ورهبة جديدين بين المتطهرين المتزمتين.
وتحدث جريجوري الأول ومن جاء بعده من علماء الدين عن سبع خطايا - الكبرياء، والبخل، والحسد، والغضب، والشهوة، والشره، والكسل، تقابلها في رأيهم السبع الفضائل الرئيسية: أربع منها"فطرية" أو وثنية امتدحها فيثاغورس وأفلاطون - الحكمة، والشجاعة، والعدالة، والاعتدال، وثلاث فضائل "دينية" - الإيمان، والأمل، والإحسان. ولكن المسيحية لم تؤمن قط بالفضائل الوثنية وإن ارتضتها، وكانت تفضل الإيمان عن العلم، والصبر عن الشجاعة، والحب والرحمة عن العدالة، والتعفف والظهر عن الاعتدال. ورفعت من شأن الإتضاع، ووصفت الكبرياء (وهو من أبرز صفات رجل أرسطو المثالي) بأنه أشنع الذنوب الشنيعة. وكانت المسيحية تتحدث أحياناً عن الحقوق الإنسان، ولكن أكثر ما كانت تؤكده هو واجبات الإنسان - واجباته نحو نفسه، ونحو بني جنسه، ونحو كنيسته وربه. ولم تكن الكنيسة تدعو إلى الاقتداء بالمسيح الرقيق، الوادع، الرحيم، لأنها كانت تخشى أن تجعل الرجال مخنثين. والحق أن رجال المسيحية اللاتينية في العصور الوسطى كانوا أكثر رجولة من ورثتهم وخلفائهم في هذه الأيام، لأنهم كانوا يواجهون من الصعاب أكثر مما يواجهه هؤلاء. ذلك أن علماء الدين والفلاسفة، كالرجال والدول، يتصفون بما يتصفون به، لأنهم في زمانهم ومكانهم، لم يكن لهم مما كانوا عليه بد.