للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفصل الثالث

[الزنادقة]

إذا شئنا إلاّ نفهم الفلسفة المدرسية على إنها تكديس لا طائل من ورائه للتجريدات المملة، وجب علينا ألا ننظر إلى القرن الثالث عشر على انه الميدان الذي يصول فيه الفلاسفة المدرسيون ويجولون غير منازعين، بل أن ننظر إليه على انه ميدان اصطرع فيه مدى سبعين عاما المتشككة، والماديون، والأحديون القائلون بوحدة الوجود، والجاحدون بالله، اصطرع فيه هؤلاء مع علماء اللاهوت المسيحي للاستحواذ على العقل الأوربي.

ولقد لاحظنا من قبل وجود نزعة عدم الإيمان بين أقلية ضئيلة من سكان أوربا، وزادت هذه الأقلية في القرن الثالث عشر على اثر اتصال الأوربيين بالمسلمين عن طريق الحروب الصليبية وتراجم الكتب العربية. ولما تبين الأوربيون وجود دين آخر، اخرج رجالاً عظاماً أمثال صلاح الدين والمندي، وفلاسفة مثل ابن سينا وابن رشد، كان ذلك في حد ذاته كشفاً اضطربت له نفوسهم؛ ذلك أن مقارنة الأديان لا تنفع الدين أي نفع. ومن الشواهد على هذا ما نقله ألفنسوا الحكيم Alfonso the wise، (١٢٥٢ - ١٢٨٤) عن انتشار عدم الاعتقاد بالخلود بين مسيحي أسبانيا (٢١)؛ وليس ببعيد أن تكون آراء ابن رشد قد تسربت إلى الشعب نفسه. وكان في جنوبي فرنسا في القرن الثالث عشر جماعة من أصحاب النزعة العقلية القائلين بان الله بعد ان خلق العالم تركه تسيره القوانين الطبيعية؛ وكانوا يعتقدون أن المعجزات مستحيلة، وان الصلاة لا تستطيع تغيير مسلك العناصر، وان الأنواع الجديدة لم تخلق خلقاً خاصاً وإنما وجدت بالتطور الطبيعي (٢٢). وكان بعض أصحاب التفكير الحر-