كريماً وجميلاً. وأن الفرد العلمي الذي يدرس ذلك القانون، حتى في أتفه تفاصيله وأصغرها شأناً، إنما يفك مغاليق هذا الوحي لأننا "كلما ازددنا فهماً للأشياء الفردية ازددنا فهماً لله (٩٦) "(وقد هزت هذه الجملة مشاعر جوته باعتبارها أعمق عبارة في الأدب كله.). وبدا لسبينوزا أنه قبل وواجه في أمانة وإخلاص التحدي الضمني في كوبرنيكس-ليعيد تصور الإله على أساس جدير بالكون الذي يتكشف يوماً بعد يوم. ولم يعد ثمة صراع بين العلم والدين عند سبينوزا، فهما شيء واحد.
[٥ - الذهن]
إن أكبر لغز في الفلسفة والعلم، بعد طبيعة الكون وعمله، هو طبيعة الذهن وعمله. وإذا كان من الصعب التوفيق بين نزعة خيرة بالغة القدرة وبين حياد الطبيعة وحتمية المعاناة والألم، فإنه يبدو من الصعوبة بنفس القدر أن نفهم كيف يستطيع شيء ظاهر أنه خارجي مادي محدود ذو حيز أن يولد فكرة واضح أنها غير مادية وغير محدودة بحيز، وكيف تصبح فكرة في الذهن حركة في الجسم، أو كيف تستطيع فكرة أن تدقق التأمل في فكرة أخرى في غياهب الوعي.
ويتفادى سبينوزا بعض هذه المشاكل بنبذه فرضية ديكارت القائلة بأن الجسم والذهن جوهران مختلفان. ويعتقد أن الجسم والذهن شيء واحد، وأنهما نفس الحقيقة، وأنهما يدركان في مظهرين أو صفتين مختلفتين مثلما أن الامتداد والفكر شيء واحد في الله-ومن ثم لا تكون هناك مشكلة في كيفية تأثير الجسم في الذهن أو العكس بالعكس. وكل حدث هو العملية المتزامنة الموحدة للجسم والذهن كليهما. ويعرف سبينوزا الذهن بأنه "فكرة الجسم (٩٧) " أي العمل السيكولوجي (وليس بالضرورة عملاً واعياً) المتلازم والمرتبط بأية عملية فسيولوجية. فالذهن هو الجسم نحس به من الداخل، والجسم هو الذهن نراه من الخارج والحالة الذهنية هي المظهر الداخلي أو الباطني لأي عمل جسمي. وأي عمل "للإرادة" هو المرافق الذهني لأية رغبة جسدية تتحول إلى تعبير بدني. وليس هناك عمل "للإرادة" في الجسم، ولكن هناك عمل واحد للكائن السيكوفسيولوجي