تؤكد الطريقة التي عامل بها البابا فلورنس تدهور أحوال آل ميديتشي، أما مابذله من الجهود لإعادة روما إلى سابق عهدها فيكشف عن جذوة من العبقرية الإدارية وعن تقدير للجمال كانا من أسباب عظمة تلك الأسرة. وقد صوره وقتئذ سباستيانو دل بيومبو، وكان قد صوره من قبل في عهد نضوجه، في صورة شيخ طاعن في السن، حزين مكتئب، غائر العينين، أبيض شعر اللحية، يوزع البركات. ويبدو أن الآلام طهرته وأنها قوته إلى حد ما، فقد أقدم على بذل جهود قوية لحماية إيطاليا من الأسطول التركي الذي كان وقتئذ يسيطر على شرقي البحر المتوسط، فحصن أنكونا، وأسكولي، وفانو، وحصل على نفقات هذا التحصين بأن حمل مجمع الكرادلة في الحادي والعشرين من يونية سنة ١٥٣٢ على أن يفرض ضريبة قدرها خمسون في المائة من جميع إيراد رجال الدين الإيطاليين ومنهم الكرادلة أنفسهم، وذلك رغم معارضة الكرادلة (٥٤). واستعان ببيع المناصب الدينية وبغيره من الوسائل فجمع المال اللازم لإعادة ما تخرب من الكنائس، وجامعة روما، والعودة إلى مناصرة العلوم والفنون، واتخذ الوسائل الكفيلة بضمان وصول الحبوب إلى المدينة على الرغم من غارات قراصنة البربر على السفن بالقرب من صقلية، وبذلك لم يمص إلا قليل جداً من الوقت حتى عادت روما إلى القيام بواجبها بوصفها عاصمة العالم الغربي.
وكانت المدينة لا تزال غنية بالفنانين، فقد جاء إليها كرادسا Caradossa من ميلان، وتشيليني من فلورنس، لكي يرفعا فن الصياغة إلى الذروة