نجد هنا - كما وجدنا غالباً عند تناولنا للتاريخ الأدبي - أن دراسة الرجل (المؤلف أو المفكر) أكثر تشويقا من دراسة مؤلفاته. فدراسة المؤلفات تجعلنا نحس بالتآكل الذي يسببه فيضان أنماط مختلفة في الأفكار والصيغ لكن دراسة نفس تشق طريقها خلال متاهات الحياة تعد درساً حيا في الفلسفة، وصورة متحركة نابضة بالخبرات التي تصوغ الشخصية وتحول الأفكار.
لقد عاش يوهان جوتليب فيشته Johann Gottlieb Fichte اثنين وخمسين عاما كانت غاصة بتجارب مختلفة. لقد كانت أمه تدعو الله أن يكون ابنها قسا (راعي أبرشية) فوافق وبعد أن قضى فترة في بعض المدارس المحلية، تم إرساله إلى يينا لدراسة اللاهوت (أصول العقيدة)، لكنه كان كلما تعمق في دراسة اللاهوت المسيحي زاد عجبا وشكا. وأعطاه واعظ القرية تفنيدا لأخطاء سبينوزا Refutation of the errors of Spinoza لكن فيشته أعجب بأخطاء سبينوزا وغض الطرف عن تفنيدها واتخذ قرارا وهو أنه لن يصلح أن يكون قسا. ومع هذا فقد تخرج في كلية اللاهوت. وكان مفلساً معظم الوقت، فسار على قدميه من يينا Jena إلى زيورخ ليبحث عن عمل له كمعلم خصوصي، وهناك أحب جوهانا (يوهانا) ماريا راهن Rahn وتقدم لخطبتها رسميا، لكنهما اتفقا على تأجيل الزواج حتى يستقر ماليا.
وانتقل إلى ليبزج وقام بالتدريس لبعض الطلبة، وقرأ كتاب كانط (نقد العقل الخالص) وافتتن به. وأخذ طريقة إلى كونيجسبرج Konigsberg وقدم لكانط كتابه: "مقال نحو نقد كل وحي" vesush einer kritik aller Offenbarung (١٧٩٢) ، وطلب قرضاً من كانط فلم يعطه لكنه ساعده في الوصول إلى ناشر لنشر عمله. وأهمل الناشر ذكر اسم المؤلف على الكتاب وعندما ذكر النقاد أن الكتاب من تأليف كانط، صرح كانط باسم المؤلف وامتدح الكتاب وهكذا أصبح فيشته عضوا في جماعة المفكرين الجليلة ولم يستقبله أللاهوتيون بحفاوة كما استقبله المفكرون لأن الحجج التي ساقها في مبحثه