كان يمتد إلى الشمال الغربي من كاريا مسافة تسعين ميلاً شريط ساحلي جبلي يختلف عرضه بين عشرين وثلاثين ميلاً، وهو المعروف في الزمن القديم باسم أيونيا. ويصفه هيرودوت بقوله "إن هواءه ومناخه أجمل هواء ومناخ في العالم كله"(١٩). وكانت كثرة مدائنه عند مصاب الأنهار أو عند منتهى الطرق، وكانت هذه الأنهار والطرق تنقل البضائع مما ورائها من الإقليم إلى شاطئ البحر المتوسط، ومنه تُنقل على ظهور السفن إلى كافة الأنحاء.
وكانت ميليتس، وهي أبعد المدن الاثنتي عشرة الأيونية جهة الجنوب، أغنى مدائن العالم اليوناني كله في القرن السادس قبل الميلاد. وقد قامت هذه المدينة في موضع كان يسكنه الكاريون من العهد المينوي، فلما أقبل الأيونيون من أتكا على هذا المكان حوالي ١٠٠٠ ق. م. وجدوا فيه الثقافة الإيجية وإن كانت في صورة مضمحلة، تنتظرهم ليتخذوها بداية متقدمة لحضارتهم. ولم يأتوا معهم بنساء إلى ميليتس فاكتفوا بأن قتلوا الذكران من أهلها وتزوجوا الأرامل (٢٠). وبدأ امتزاج الثقافتين بامتزاج دماء الأهلين والوافدين. وخضعت ميليتس، كما خضعت كثرة المدن الأيونية، في أول الأمر لحكم الملوك الذين يقودون جيوشهم في الحرب، ثم خضعت بعدئذ لحكم الأشراف الذين يملكون الأرض، ثم لحكم "المستبدين" الذين يمثلون الطبقة الوسطى. ووصلت الصناعة والتجارة إلى ذروتيهما في عهد الطاغية ثراسيبولوس Thrasybulus في بداية القرن