للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثاني

[الخمر والمرأة والأغاني]

من الطبيعي أن يكون علمنا بالنواحي الوثنية أو المتشككة في حياة العصور الوسطى قطعاً متفرقة؛ ذلك بأن الماضي لم يصل إلينا نزيهاً أميناً إلا في دمائنا. وهذا يزيد من إعجابنا بروح التسامح والتحرر ـ أو روح الزمالة في الغبطة ـ التي حملت دير بندكتبيرن Benediktbeuern ( في بافاريا العليا) على الاحتفاظ بالمخطوط الذي شق طريقه إلى المطبعة في عام ١٨٤٧ وسمّي باسم قصائد بيران Carmina Burana والذي يعد الآن أهم ما لدينا من المصادر لشعر "العلماء الجوالين" (١) ولم يكن هؤلاء من الذين يضربون في الآفاق؛ فقد كان منهم رهبان ضلوا في طريقهم إلى أديرتهم، ومنهم قساوسة فقدوا مناصبهم، وكانت كثرتهم طلاباً في طريقهم من موطنهم إلى جامعتهم أو من إحدى الجامعات إلى الأخرى؛ وكثيراً ما كانوا يقطعون طريقهم هذا سيراً على أقدامهم. وكان كثيرون من الطلاب بعرجون على الحانات في الطريق، ومنهم من كانوا يتذوقون الخمر والنساء، ويستمعون إلى المعارف غير المدونة، ومنهم من كانوا يؤلفون الأغاني، ويتغنون بها، ويبيعونها لمن يطلبها؛ ومنهم من فقدوا أملهم في أن يكونوا من رجال الدين فكانوا يعيشون بأقلامهم يخصون بشعرهم الأساقفة والأعيان. وكانت أكثر ميادين نشاطهم فرنسا وألمانيا الغربية؛ ولكن شعرهم ما لبث أن انتشر بين البلدان المختلفة لأنهم كانوا يكتبونه باللغة اللاتينية. وكانوا يدّعون أنهم ينتظمون في هيئة خاصة هي نقابة الجوّالين، واخترعوا لها مؤسساً موهوماً


(١) ومن المصادر الأخرى مخطوط في مكتبة هارلم ألف قبل عام ١٢٦٤ ونشره تومس رَيِت في عام ١٨٤١ باسم "قصائد لاتينية تعزى عادة إلى ولتر ميبس".