كان العلم أيضاً يزود الناس بإلهام جديد. ونمو العلم -نمو طلبه، وطرائقه، وكشوفه، وتنبؤاته، وثمراته الناجحة، وسلطانه، ومكانته-هذا النمو هو الجانب الإيجابي لذلك التطور الحديث الأساسي الذي كان جانبه السلبي هو اضمحلال الإيمان بالخوارق. ونشب الصراع بين كهانتين: الأولى كرست نفسها لتشكيل الخلق بطريق الدين، والثانية لتربية العقل بطريق العلم. والكهانة الأولى هي الغالبة في عصور الفقر أو الكوارث، حين يكون الناس شاكرين لفضل العزاء الروحي والنظام الخلقي، والثانية هي الغالبة في عصور الثروة المتصاعدة، حين يميل الناس إلى قصر آمالهم على هذه الدنيا.
ومن المألوف اعتبار القرن الثامن عشر دون السابع عشر في إنجازاته العلمية، لا شك أنه يخلو من الفحول الشوامخ أمثال جاليلو أو نيوتن، ومن المآثر التي يمكن أن تقاس باتساع العالم المعروف، أو الامتداد الكوني للجاذبية، أو صياغة حساب التفاضل والتكامل، أو كشف الدورة الدموية. ومع ذلك فأي كوكبة من النجوم يتألق بها المشهد العلمي في القرن الثامن عشر! -أويلر ولاجرانج في الرياضة، وهرشل ولابلاس في الفلك، ودالامبير وفرانكلن وجلفاني وفولتا في الفيزياء، وبريستلي ولافوازبيه في الكيمياء، ولنابيوس في النبات، وبوفون ولاماركفي الأحياء، وهالر في الفسيولوجيا، وجون هنتر في التشريح، وكوندياك في علم النفس، وجنر بوبرها في الطب-
(١) هذا الفصل مدين بصفة خاصة أ. ولف A. Wolf: History of science Technology and Philosophy in the ١٨th Century ( تاريخ العلم والتكنولوجيا والفلسفة في القرن ١٨).