وقد خصصت الأكاديميات المتكاثرة المزيد من وقتها ومالها للبحث العلمي. وأدخلت الجامعات العلوم بازدياد في برامجها، فأنشأت كمبردج بين عامي ١٧٠٢و١٧٥٠ كراسي في التشريح، والفلك، والنبات، والكيمياء، والجيولوجيا، و"الفلسفة التجريبية"-أي الفيزياء. وأصبحت الطريقة العلمية تجريبية بصورة أدق .. وهبطت الخصومة الوطنية، التي لوثت دولية الفكر بالجدل المحتدم بين نيوتن وليبنتز، وتكاتفت الكهانة الجديدة عبر الحدود، والحقائد اللاهوتية، والحروب، لترتاد المجهول المتعاظم. وجاء طلاب البحث من كل طبقة، من بريستلي الرقيق الحال ودالامبير اللقيط، إلى بوفون حامل لقب الشرف ولافوزييه المليونير. ودخل الملوك والأمراء ساحة البحث: فاشتغل جورج الثالث بالنبات، وجون الخامس بالفلك، ولويس السادس عشر بالفيزياء. وعكف الهواة أمثال مونتسكيو وفولتير، والنساء أمثال مدام دشاتليه والممثلة الآنسة كليرون، على العمل بجد في المختبرات أو تلهوا بها، وحاول العلماء اليسوعيون امثال بوسكوفش الجمع بين الإيمانين القديم والجديد.
ولم يتمتع العلم بمثل هذه الشعبية وهذا التشريف حتى جاء عصرنا الحاضر المتفجر. فقد رفع دوي كشوف نيوتن في الرياضة والميكانيكا والفلك هامات العلماء في كل بلد في أوربا. صحيح إنهم لم يستطيعوا الارتقاء حتى يصل أحدهم -كما وصل نيوتن- إلى منصب مدير دار المسكوكات، ولكنهم في القارة، بعد عام ١٧٥٠، وجدوا الترحيب في المجتمع المعطر وغشوا المحافل جنباً إلى جنب مع اللوردات والأدواق. وفي باريس غصت قاعات المحاضرات العلمية بالمستمعين من الجنسين ومن جميع المراتب. كتب جولدسمث الذي زار باريس في ١٧٥٥ يقول:"رأيت في المحاضرات روويل في الكيمياء من نجوم الجمال المتألقة ما هو خليق بأن يزين بلاط الملك في فرساي. "(١) وكانت نساء المجتمع العصريات يحتفظن بكتب العلوم على خزانات زينتهن، وترسم لهن الصور-كما صورت مدام بومبادور-وعند أقدامهن، المربعات والتلسكوبات. وفقد الناس الاهتمام باللاهوت، ونفضوا عنهم العالم الآخر مع حرصهم على خرافاتهم. وغدا العلم الأسلوب والمزاج لعصر يتحرك في نهر معقد من التغير المحموم إلى نهايته الوبيلة.