ومكث هناك خمس سنوات ولم يتلق طوال هذا الوقت من الملك سوى التحية بين الفينة والفينة. ترى هل كان هنري مشغولا جداً بالعلاقات الخارجية أم بالأهل والأقارب؟ وظل أرازموس ينتظر وهو يتميز غيظاً. وخف مونتجوي لنجدته بمنحة. ونفحه وارهام بدخل أبرشية في كنت، وعينه جون فيشر أسقف روشستر ومدير جامعة كامبردج أستاذاً لليونانية بمرتب سنوي قدره ١٣ جنيها (١. ٣٠٠ دولار) ولرفع هذا الدخل بالقدر الذي يسمح بالاحتفاظ بخادم وجواد أهدى أرازموس مطبوعاته إلى أصدقائه الذين استجابوا له في تردد.
وفي السنة الأولى من هذه في إنجلترا كتب أرازموس في بيت توماس مور وفي خلال سبعة أيام أشهر كتاب له "الثناء على الطيش" وكان عنوانه اليوناني Encomium moriae تورية لاسم مور وإن كانت كلمة Moras باليونانية تعني طائش وكلمة Moria تعني الطيش واحتفظ أرازموس بعمله مخطوطا لمدة عامين ثم انطلق بعدها بفترة وجيزة إلى باريس لنشره (١٥١١) وطبعت منه في حياته أربعون طبعة وترجم إلى أثنتي عشرة لغة والتهمه رابيليه وفي عهد متأخر عام ١٦٣٢ وجده ملتون في يد "كل إنسان" في كامبردج.
ولم يستخدم أرازموس كلمة Moria بمعنى طيش وسخف وجهل وغباء فحسب بل بمعنى سورة فكرية وغريزة وعاطفة وبساطة أمية مقابل حكمة وعقل وحساب وفكر. ويقول لنا إن الجنس البشري بأسره يدين بوجوده للطيش إذ أي شئ أسخف من مطاردة الذكر المتعددة الأشكال للأنثى وإكباره المحرم للحمها وعاطفته المشبوبة للتسافد؟ وأي إنسان يدفع مقابل هذا التناقض