للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل السّابع

العَالِم

نجد إلى جانب رسوم ليوناردو التخطيطية, على الصفحة نفسها تارة, وتارة أخرى على الصورة المبدئية لرجل, أو امرأة, أو منظر طبيعي, أو آلة, مذكرات يحاول بها عقله النهم المتعطش أبداً إلى المعرفة أن يحل قوانين الطبيعة ويفهم أسرارها وعملياتها. ولعل ليوناردو العالم قد نشأ من ليوناردو الفنان: ذلك ن اشتغاله بالتصوير قد أرغمه على دراسة التشريح، وقوانين النسب وقواعد المنظور، ومقارنة الضوء وانعكاسه، وكيمياء الألوان والزيوت؛ ثم نقلته هذه البحوث إلى بحوث أخرى أكثر منها دقة واتصالا بالتصوير، ذات صلة بتركيب النبات والحيوان ووظائف أجزائه؛ ثم ارتفع من هذه البحوث مرة أخرى إلى الإدراك الفلسفي للقانون الطبيعي العالمي الذي لا تبديل فيه. وكثيراً ما كان الفنان يطل مرة أخرى في العالم؛ فقد يكون الرسم العلمي شيئاً ذا جمال، أو ينتهي بزخرف جميل من الطراز العربي.

وكان ليوناردو ينزع إلى إقامة الطريقة العلمية على الخبرة لا على التجارب العلمية (٦٠)، شأنه في هذا شأن الكثرة الغالبية من علماء عصره. وفي ذلك يقول لنفسه ناصحاً: ((تذكر وأنت تتحدث عن الماء أن تبرز الخبرة أولا ثم العقل)) (٦١). وإذا كانت خبرة الإنسان لا تعدو أن تكون جزءاً صغيراً مجهرياً من الحقيقة، فقد كمل ليوناردو خبرته بالقراءة، وهي الخبرة غير المباشرة. ولهذا أخذ يدرس بعناية الناقد الفاحص كتابات ألبرت السكسوني Albert of Sexony، (٦٢) وعرف بعض آراء روجر