وزوجته وأبناؤه الأربعة إلى بيت أسرته في سان كاستثيانو، حيث قضى السنين الخمس عشرة الباقية من عمره ماعدا السنة الأخيرة منها، يعاني الفقر ويعلل نفسه بالآمال، ولولا هذه الكارثة لما سمعنا به قط، لأن هذه السنين العجاف هي التي ألف فيها الكتب التي هزت مشاعر العالم كله.
[٢ - المؤلف والرجل]
وكانت هذه عزلة موحشة لرجل عاش في خضم بحر السياسة الفلورنسية. وكان احياناً يذهب راكباً إلى فلورنس ليتحدث مع أصدقائه القدامى، ويتحسس ما عسى أن يكون هناك من فرص للعودة إلى المناصب الحكومية. وكتب عدة مرات إلى آل ميديتشي في هذا الموضوع، ولكنه لم يتلق منهم جواباً، وقد وصف حياته في رسالة ذائعة الصيت إلى صديقه فتوري Vittori سفير فلورنس في روما، وأشار فيها إلى سبب تأليف كتاب الأمير فقال:
لقد ظلت منذ حلت بي الكارثة الأخيرة أحيا حياة هادئة في الريف؛ فأصحو في مطلع الشمس وأسير إلى إحدى الغابات حيث أقضي بضع ساعات أراجع فيها عمل الأمس؛ ثم أمضي بعض الوقت مع قاطعي الأشجار وأجد لديهم على الدوام متاعب يفضون بها إلىَّ سواء أكانت متاعبهم هم أو متاعب جيرانهم. فإذا غادرت الغابة ذهبت إلى نبع ماء ثم إلى حظيرتي التي أصطاد منها الطيور، وتحت إبطي كتاب دانتي، أو بترارك أو أحد الشعراء الذين هم أقل منهما شأناً مثل تيبلس Tibellus أو أوفد. وأقرأ في هذه الكتب عن عواطفهم الغرامية وقصص حبهم، فتذكرني بتاريخ حبي أنا؛ ويمر الوقت وأنا مبتهج مسرور بهذه الأفكار. ثم آوى بعدئذ إلى الفندق القائم على جانب الطريق، وأتحدث إلى المارة، وأسألهم أن أخبار الأماكن التي أقبلوا منها، وأستمع منهم إلى ما يحدثونني عنه وهو كثير، وألاحظ مختلف