اجتاحت بلاد اليونان حوالي عام ١١٠٤ موجة جديدة من الهجرة أو الغزو متدفقة من الشمال القلق المضطرب النازع إلى التوسع؛ فقد انزلق، أو سار إلى البلوبونيز، أو تدفق عليها، شعب ذو روح حربية، طويل القامات، مستدير الرؤوس، معدوم الصلة بالأدب، بعد أن اخترق إليريا وتساليا وعبر خليج كورنثة عند نوبكتوس Naupactus، ومضيق كورنثة عند كورنثة نفسها، واستولى على البلاد وقضى على الحضارة الميسينية قضاء يكاد يكون تاماً. وكل ما نقوله عن أصلهم وعن الطريق الذي سلكوه لا يرقى إلى أكثر من الحدس والتخمين. أما أخلاقهم وأثرهم في البلاد التي فتحوها فإن علمنا عنهما يرقى إلى مرتبة اليقين. لقد كانوا لا يزالون في مرحلة الرعي والصيد؛ وكانوا من حين إلى حين يستقرون لفلح الأرض، ولكن جل اعتمادهم كان على ماشيتهم، وكانت حاجة هذه الماشية إلى المرعى الجديد سبباً في كثرة تنقلهم وعدم استقرارهم. وكان الشيء الوحيد الموفور عندهم وفرة لم يسمع بها عند غيرهم هو الحديد؛ ومن أجل ذلك كانوا هم رسل الثقافة الهلستانية (١) إلى بلاد اليونان؛ وكانت صلابة أسلافهم وشدة بأسهم سبباً في تفوقهم على الآخيين والكريتيين، وفي قسوة قلوبهم وبطشهم الشديد، وكان الآخيون والكريتيون وقتئذ يستخدمون أسلحة من البرونز. والراجح أنهم تدفقوا من الغرب والشرق، من إليس ومجارا، على ممالك البلوبونيز المتفرقة الصغيرة وذبحوا بسيوفهم طبقاتها الحاكمة، واتخذوا من بقي
(١) مدينة في النمسا أطلق اسمها على الفترة الأولى من الحديد في أوربا لكثرة ما كشف فيها من الآثار المصنوعة منه.