من الميسينيين أرقاء. ودمرت النيان وتيرينز وأضحت أرجوس عاصمة جزيرة بلوبس وظلت كذلك مائتين من السنين. واستولى الغزاة في برزخ كورنثة على أكروكورنثوس Acrocorinthus وهي قمة عالية تشرف على ما حولها وتسيطر عليه، وشادوا حولها مدينة كورنثة الدورية (٨٠)، وفر أمامهم من بقي حياً من الدوريين، فلجأ بعضهم إلى جبال البلوبونيز الشمالية، وبعضهم إلى أتكا، وعبر بعضهم البحر إلى الجزائر وإلى سواحل آسية. واقتفى الفاتحون أثرهم إلى أتكا ولكنهم صدوا عنها؛ وجاءوا في أثرهم إلى كريت (٨١)، ودمروا ما بقي من نوسس تدميراً تاماً؛ واستولوا على ميلوس وثيرا Thera، وكوس Cos، ونيدس Nidus ورودس. وكان الخراف أشمل وأتم في جميع أنحاء البلوبونيز وكريت حيث ازدهرت الثقافة الميسينية أكثر من ازدهارها في غيرها الأصقاع.
وهذه الكارثة الختامية التي وقعت في العصر السابق للحضارة الإيجية هي المعروفة لدى المؤرخين المحدثين باسم الفتح الدوري، والتي تسميها الرواية اليونانية "عودة الهرقليين". ذلك أن الظافرين لم يقنعوا بأن يسموا انتصارهم هذا غلبة أقوام همج على شعب متحضر، بل قالوا إن ما حدث في واقع الأمر هو أن أبناء هرقل، ومن تناسلوا من أبنائه، حيل بينهم وبين حقهم المشروع في العودة إلى البلوبونيز، فانتزعوا هذا الحق بقوة سواعدهم وبطولتهم. ولسنا نعرف ما في هذا القول من الحقائق التاريخية، وما فيه من الأساطير الدبلوماسية التي يقصد بها تصوير هذا الفتح الدموي في صورة حق مقدس. وإنا ليصعب علينا أن نعتقد أن الدوريين قد برعوا في الكذب هذه البراعة كلها في شباب العالم. وقد تكون القصتان كلتاهما صحيحتين وهو ما لم يسلم به المحاجون: فقد يكون الدوريون غزاة فاتحين من الشمال يقودهم أبناء هرقل وحفدته.