ومهما يكن مظهر هذا الفتح فإن ما ترتب عليه من الأثر هو أنه عاق تقدم بلاد اليونان ونماءها زمناً طويلاً، وأصابها بمحنة شديدة. فقد ظلت أحوالها السياسية مضطربة قرنين كاملين، فقد كان كل رجل فيها يحمل السلاح لأنه بات غير مطمئن على حياته؛ وزادت أعمال العنف زيادة مطردة فعطلت أعمال الزراعة والتجارة البرية والبحرية، واشتعلت نيران الحرب وعلا سعيرها، وازداد الفقر شدة وانتشاراً؛ وأصبحت الحياة قلقة مضطربة لأن الأسر أخذت تنتقل من إقليم إلى إقليم طلباً للأمن والسلم (٨٢). ويسمى هزيود Hesiod هذا العصر عصر الحديد، ويأسف على فساده وانحطاطه عن العصور الجميلة التي سبقته، وكان كثير من اليونان يعتقدون أن "كشف الحديد قد أضر بالإنسان"(٨٣)؛ واضمحلت الفنون وأهمل التصوير، وقنع المثالون بنحت التماثيل الصغيرة الملونة؛ وانحطت صناعة الفخار لأن الصناع غفوا عما كان يمتاز به فن ميسيني وكريت من نزعة طبيعية حيوية، فاتبعوا "طرازاً هندسياً" لا حياة فيه، ظل يسيطر على فن الخزف اليوناني جملة قرون.
ولكن الخسارة لم تحل بكل شيء، فقد امتزج العنصر الجديد بالقديم امتزاجاً سريعاً في خارج لكونيا Laconia وامتزاجاً بطيئا في داخلها، على الرغم من تصميم الغزاة الدوريين على أن يحتفظوا بدمائهم نقية طاهرة من دماء الأهلين المغلوبين، وعلى الرغم من الكراهية العنصرية بين الدوريين والأيونيين، وهي الكراهية التي اصطبغت بها بلاد اليونان على بكرة أبيها. ولعل امتزاج دم الآخيين والدوريين القوي النشيط بدم الشعوب التي هي أقدم من هذين الشعبين وأرق، والتي كانت تقيم في جنوبي اليونان، لعل هذا كان ذا أثر حافز منشط. ومهما يكن لهذا الامتزاج من أثر فإن النتيجة النهائية التي أسفر عنها بعد قرنين من الزمان هي نشأة شعب جديد مختلفة عن الشعوب التي كانت تعيش من قبل في تلك البلاد، امتزجت فيها دماء عناصر "البحر الأبيض المتوسط" و "الألبي" و "الشمالي