لو أننا في هذا الموضع أوجزنا ذكر الآلات التي صنعها إنسان العصر الحجري القديم، لصورَّنا لأنفسنا صورة عن حياته أوضح مما لو تركنا لخيالنا الحبل على الغارب؛ وطبيعي أن يكون أول الآلات حجرا في قبضة الإنسان، فكم من حيوان كان في مستطاعه أن يعلمّ الإنسان هذه الآلة؛ وإذن فقد أصبحت المدية الحجرية المُدبَبَةُ في أحد طرفِيها، والمستديرة في طرفها الآخر لتلائم قبضة اليد، أصبحت هذه المدية الحجرية للإنسان البدائي مطرقة وفأساً وإزميلاً وكاشطة وسكيناً ومنشاراً؛ إلى يومنا هذا ترى الكلمة "الإنجليزية" التي نستعملها لتدل على المطرقة: " hammer" معناها حجر من حيث أصلها اللغوي (٢) ثم حدث على مَرّ الأيام أن تنوعت هذه الآلات في أشكالها حتى بَعُدَت عن أصلها المتجانس، فثقبت الثقوب لتركيب مقبض، وأُدخلت الأسنان لتكون الآلة منشارا، وغرزت فروع في المدية الحجرية لتصبح مغرازا أو سهما أو حربة؛ كما أصبح الحجر الكاشط الذي كان يتخذ شكل القوقعة، مجرافا أو معزاقا؛ وأما الحجر الخشن الملمس فقد جعلوه مِبرَداً، وجعلوا حجر المقلاع أداة للقتال بقيت قائمة حتى اجتاز بها الإنسان عصر المدنيَّة الكلاسيكية ذاتها؛ ولما ظفر إنسان العصر الحجري القديم بالعظم والخشب والعاج إلى جانب الحجر، صنع لنفسه مجموعة منوعة من الأسلحة والآلات: صنع الصاقلات والهاونات والفؤوس والصفائح والكاشطات والمثاقب والمصابيح والمدى والأزاميل والشواطير والحراب والسندانات، وحافرات المعادن والخناجر وأشصاص السمك وحراب الصيد والخوابير والمغازير والمشابك