لقد كانت الحرب أروع النواحي الروائية في حياة الرجل الروماني، ولكنها لم يكن لها ذلك الشأن الخطير الذي تحدثنا عنه صحف المؤرخين الرومان. ولعل حياة الرومان كانت تدور كلها حول أسرته وبيته أكثر مما تدور حولهما حياة الرجل من في هذه الأيام. وكانت أخبار العالم لا تصل إليه إلا متأخرة، ومن أجل هذا لم يكن ما يتجمع في العالم من اضطراب يستثير عواطفه في كل يوم، ولم تكن الحوادث العظمى التي تمر به في حياته هي السياسة والحرب، بل كان أهم ما يعنى به مولد الأطفال وحفلات الزواج وأخبار الموت المحزنة.
ولم يكن كبير السن تلازمه تلك الوحشة والهجران اللذان ينغصان على الكبار حياتهم في العصور التي تشيع فيها الفردية. ذلك أن الصغار كانوا يرون أن من الفروض الواجبة عليهم أن يعنوا بالكبار، وقد ظل هؤلاء إلى آخر عهود الجمهورية أجدر الناس بالرعاية وأعظمهم سلطاناً، وكانت قبورهم بعد وفاتهم مواضع التكريم ما دام لهم أبناء أو أحفاد على قيد الحياة. ولم تكن الجنائز تقل فخامة وتعظيماً عن مواكب الأفراح، فكان يسير في طليعتها جماعة من النادبات المأجورات فلما تغالين في عويلهن وهوسهن قيد هذا الغالي بنص في الألواح الاثني عشر (٧١) يحرم عليهن اقتلاع شعرهن. ويتلو هؤلاء النسوة الزمارون وقد حدد القانون عددهم باثني عشر، ثم الراقصون يمثل الميت واحد منهم. ويأتي من بعد هؤلاء عرض عجيب لجماعة من الممثلين يلبسون أقنعة الموت أو وجوهاً من الشمع في صور آباء الميت الذين شغلوا مناصب ذات شأن في الدولة. ثم تتلو هؤلاء جميعاً جثة الميت محوطة بمظاهر تبلغ من الفخامة ما يبلغه موكب القائد المنتصر، وعليها كامل