للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اللباس المخصص لأعظم منصب شغله صاحبها في حياته، وموضوعة في نعش بسطت عليه أغطية مطرزة باللونين الأرجواني والذهبي، ومن حولها الأسلحة والدروع التي غنمها ممن قتلهم من الأعداء. ويسير خلف النعش أبناء المتوفى وعليهم أثواب وأقنعة سوداء، وبناته سافرات، وأقاربه وأبناء عشيرته وأصدقاؤه ومواليه وعبيده. فإذا وصلت الجنازة إلى السوق العامة وقفت ورثى الميت أحد أبنائه أو أقاربه. لقد كانت الحياة في تلك الأيام خليقة بأن يحياها الإنسان ولو لم ينل منها إلا هذا التكريم بعد الوفاة.

وكان الموتى من أهل رومه في القرون الأولى من حياتها يحرقون، ثم جرت العادة بعدئذ بأن يدفنوا وإن كان بعض المحافظين من أبنائها ظلوا يفضلون إحراق موتاهم. وسواء اتبعت هذه السنة أو تلك فقد كانت بقايا الميت تدفن في قبر أضحى فيما بعد مزاراً ومكاناً للعبادة، كان الأتقياء من أبناء الميت وأحفاده يضعون عليه من حين إلى حين طاقات الزهر وقليلاً من الطعام. وكان لعبادة الأسلاف والاعتقاد بأن أرواحهم تحيا في مكان ما وترقب الأحياء أكبر الأثر في استقرار الأخلاق والمجتمع الروماني، كما كان لهما نفس الأثر في بلاد اليونان والشرق الأقصى. وكان الموتى حسب الأساطير الرومانية التي اصطبغت بالصبغة الهلينية ينتقلون إلى جنات النعيم أو إلى جزائر المقيمين؛ على أنهم كلهم تقريباً كانوا ينزلون إلى الأرض ليستقروا في مملكة الأشباح التي يسيطر عليها أوركوس Orcus وبلوتون Pluto. وكان ثانيهما- وهو الصورة اليونانية للإله هيديز Hades اليوناني- يحمل في يده مطرقة يضرب بها الميت حتى يغيب عن وعيه. أما أوركوس (وهو الاسم الذي اشتقت منه الكلمة الإنجليزية ogre أي الغول) فكان هو الهولة التي تلتهم جثة الميت بعدئذ. وإذ كان بلوتو أعظم الأرباب في باطن الأرض وأعلاها مقاماً، وإذ كانت الأرض هي المورد الأخير للثروة؛ وهي في كثير من الأحيان مستودع ما يتجمع من الطعام والسلع، فقد كان بلوتو يعبد