وقام شعراء بريطانيون، حتى أيام سلطان بوب، نددوا بالصنعة والمنطق، وتحولوا من العقد إلى الطبيعة، ووجدوا صوتاً يعبر عن الوجدان، والدهشة، والخيال، والاكتئاب المتفكر، والأمل المحزون. فبدأت ذلك الحركة الرومانسية في ذروة عصر إنجلترا الكلاسيكي.
[٣ - أصوات الوجدان]
لم يكد الشعر الكلاسيكي الجديد يتأمل شيئاً غير عالم الكتب. فقد رأى هومر وهوراس، وأديسون وبوب، رؤية أوضح من رؤيته للرجال والنساء الذين يمرون في الشوارع، أو الطقس والمناظر الطبيعية التي تنفعل بها أمزجة الناس كل يوم. ولكن الأدب كشف الآن من جديد ما كان الفلاسفة يزعمونه طويلاً، وهو أن "الإنسان" فكرة عامة غامضة؛ وأنه لا وجود إلا "للناس"، المعتزين بفرديتهم الحريصين على واقعهم. وعمق الشعراء ذواتهم بلمس الأرض، وشعورهم بالحقول والتلال والبحر والسماء واستجابتهم لها، وبتغلغلهم إلى ما وراء الأفكار ليصلوا إلى المشاعر الدفينة التي يعلنها الكلام أقل مما يخفيها. فلم يبالوا كثير بالكلام واعتزموا الغناء، وعادت القصيدة الغنائية وذوت الملحمة. وغلب الشوق إلى العزاء المنبعث من الإيمان بما فوق الطبيعة، وإلى الانبهار الصوفي الذي يوسع الحياة، هجوم الربوبية على المعجزات، والتمس بازدياد، في أساطير العصور الوسطى، ورومانسيات الشرق، والأشكار القوطية، شيئاً من الهروب من الواقع القاسي لهذه الحياة الدنيا.
وبالطبع لم يخل عصر من أصوات الوجدان. ألم يشد "البطل المسيحي" للكاتب ستيل (١٧٠١) بالإيمان القديم والعاطفة الرقيقة؟ وألم تركز "السمات المميزة" لشافتسبري (١٧١٠) حياة البشر في "العاطفة" و "المحبة"؟ وألن يشتق المتشكك هيوم والاقتصادي سمث كل الفضيلة من شعور الأخوة والتعاطف؟ ولكن جيمس طومسن هو الذي ضرب أول ضربة واضحة جلية دفاعاً عن قضية الإحساس ورقة الشعور.
وكان ابن قسيس فقير في تلال إسكتلندة. نزل إلى أدنبرة ليدرس للقسوسية، ولكن عاقه من غايته إدانة الأساتذة لأسلوبه لأنه شعري