"كالأرجوحة"(٥٤) على القدرة والتنويم، فلا توقظنا إلا بين الحين والحين بالإجرامات، وحتى مقاله البارع عن الإنسان، ليس شعراً إلا في أوزانه وقوافيه. والصنعة فيه ظاهرة فوق ما ينبغي، فلقد نسي الفنان نصيحة هوراس له بستر فنه. كذلك غفل عما نبه إليه هوراس من أن الشاعر لا بد أن يملك الشعور قبل أن يستطيع نقله؛ وقد شعر بوب، ولكن غالباً ليحتقر ويسب؛ وقد افتقد الإحساس بالجمال نحو الأفعال النبيلة أو اللطف الأنثوي. واستنفد خياله في العثور على ألفاظ رقيقة، بتارة، مركزة، لأفكار قديمة؛ فلم يتطاول ليمسك بالأشكال المثالية التي تلهم عظماء الشعراء والفلاسفة. ولم تعطه الأجنحة سوى أحقاده.
وهو لم يزل إلى اليوم الرمز الشعري الأكبر لعصر إنجلترا الأوغسطي- الذي يجوز أن نرسم حدوده بعمره، ١٦٨٨ - ١٧٤٤. فمعرفة الذهن الإنجليزي المتزايدة بعيون الأدب اليوناني والروماني، وبمسرحية "القرن العظيم" الفرنسية؛ وتأثير الأرستقراطية- تأثير الطبقة المسيطرة على الكثرة- في الحديث، والعادات، والألفاظ المهذبة، ويسر السلوك ولطفه؛ وانتقاض العقل والواقعية على الشطط الاليزابيثي وعلى التدين البيورتاني المتزمت، وانتقال المعايير الفرنسية إلى إنجلترا مع عودة الملكية، والمكانة الجديدة للعلم والفلسفة- كل أولئك تضافر لإخضاع أشكال الشعر الإنجليزي السائدة لقواعد هوراس وبوالو الكلاسيكية. وجاء عصر من النقد بعد عصر الخيال، فبينما غزا الشعب في إنجلترا الإليزابيثية النثر ولونه، نرى النثر في إنجلترا الأوغسطية يحط من قدر الشعر ويغير لونه. وكان أثر هذا الأدب "الكلاسيكي الجديد" على اللغة الإنجليزية حسناً وسيئاً: فقد أعطاها دقة ووضوحاً ورشاقة جديدة، ولكنها خسرت حيوية الكلام الإليزابيثي وقوته ودفئه. وخضعت فورة الشخصية والتعبير وفردانيتهما القديمة لنظام مفروض من فوق، ألزم بالتطابق في الحياة، وبالشكل في الأدب. وهكذا استحال الشباب كهولة.
على أن الأسلوب الكلاسيكي الجديد لم يعبر إلا عن شطر من الحياة الإنجليزية، فلم يكن فيه متسع للتمرد ولا للعاطفة ولا للحب.