ولكن ألم يكن هناك معماريون روس ينفقون روبلات كاترين؟ بلى. فقد حداها الأمل في ترك أثر يخلد ذكرها في موسكو إلى أن تكلف فاسيلي بازينيف بتصميم "كرملن" من الحجر ليحل محل كرملن إيفان الأكبر المبني بالآجر. وصمم بازينيف قصراً هائلاً لو قام لتضاءل بالقياس إليه قصر فرساي؛ والذين رأوا نموذجه الخشبي-الذي تكلف ستين ألف روبل-تعجبوا من براعته. غير أن الأساسات التي أرسيت ليقوم عليها هبطت بهبوط التربة بفعل نهر موسكو، فنكصت كاترين عن المغامرة على أنها دبرت المال الذي أتاح لإيفان ستاروف أن يبني على ضفة نيفا اليسرى قصر تارويدا، وأهدت هذا القصر المنيف إلى بوتمكين تخليداً لفتحه القرم.
وأياً كانت تكلفة نفقات المباني التي شيدتها كاترين فإنها حققت هدفها. كتب ماسون المعاصر لها يقول:"إن الرجل الفرنسي بعد دورانه على شواطئ بروسيا الماحلة وشقه سهول ليفونيا المقفرة التي لم تزرع، تأخذه الدهشة والطرب إذ يعثر مرة أخرى وسط بيداء مترامية على مدينة كبيرة فخمة، تزخر بمجتمع راق وبأسباب الترويح وبالفنون وألوان الترف التي خالها لا توجد إلا في باريس"(١٠٩). أما الأمير دلين فبعد أن شهد أوربا كلها تقريباً خلص إلى أنه "رغم ما في كاترين من عيوب، فإن الصروح التي شيدتها، العامة منها والخاصة، تجعل سانت بطرسبرج أبدع مدينة في العالم"(١١٠) ولا عجب، فقد حول لحم عشرة ملايين من الفلاحين ودمهم إلى طوب وحجر.
[١٠ - خاتمة المطاف]
لو أن كاترين سئلت لبينت-كما هو دأب الحكام طوال العصور والأزمان-أنه ما دام الموت حقاً على البشر على أية حال، فلم لا يسخر الحكام عبقرية الرجال لتوجيه هؤلاء الأحياء المطاردين والبشر المقضي عليهم لا محال بالموت، لجعل الدولة قوية، وجعل مدنها عظيمة؟ لقد عودتها سنوات السلطان، وتحديات الثورة والحرب، وتقلبات النصر والهزيمة،