الصغيرة الحبيبة (إنجلترا) تنطلق خارجة من العوز والمجاعة التي كادت تحيق بها في سنة ١٨١٠/ ١٨١١ لتبني خلال نصف قرن أكثر الإمبراطوريات قوة وتحضرا منذ سقوط روما.
لابد لنا أن نتوقف هنيهة عن متابعة هذه الدراما وهذا الصراع لندرس الأمور التي جعلت انتصار إنجلترا ممكنا - هذا الانتصار الذي يعد تحولا. لابد من التوقف لدراسة موارد التربة والعمل والعلم والأدب والفن والعقل والعقيدة والشخصية.
[١ - ثورة مختلفة]
لقد لعبت الجغرافيا دوراً، فلم يكن مناخ إنجلترا مثالياً، فالرياح الدافئة التي يسببها تيار الخليج شمال الأطلنطي تواجه بشكل مستمر الرياح القطبية الشمالية، ويؤدي هذا الصراع (المواجهة) إلى تتابع نشوء الضباب وتتابع هطول المطر فوق أيرلندا واسكتلندا وإنجلترا مما يجعل التربة خصبة، والحدائق خضراء والأشجار ضخاماً رائعة، والشوارع مبتلة، ومن هنا كانت السخرية السخيفة التي مؤداها أن الشمس لا تهاجم بعنف الكومنولث البريطاني، لكنها أيضاً لا تشرق في إنجلترا أبداً، وقد وقع نابليون في هذه المبالغة إذ قال ذات مرة لطبيبه البريطاني أرنوت Arnott: " ليس لديكم شمس في إنجلترا"، فصحَّح له معلوماته قائلا:"هذا صحيح .. لكن الشمس تشرق دافئة في إنجلترا في شهري يوليو وأغسطس".
هذا الضباب الذي يغلِّف البيئة الحيوانية والنباتية قد يكون ظلة استظل بها شعر بليك Blake وغلافاً تغلّف به تيرنر Turner، وربما يكون قد أسهم في تقوية شخصية الشعب الإنجليزي وتقوية مؤسساته. لقد جعلتهم هذه الجزيرة (البريطانية) معزولين (متفردين) لكنها كانت لهم دِرعاً يحميهم من التقلبات العقائدية التي كانت تهب كرياحٍ عاصفةٍ بين الحين والحين، وضد بِدَعِ الفن، وضد هوس الثورات وجنونها، وضد فظائع الحرب التي غالباً ما كانت تشوِّه وجه القارة الأوروبية. لقد وقفت الأمة الانجليزي بقدمين راسختين فوق الأرض الإنجليزية.
وإذا كانت جزيرتهم صغيرة، فقد كانت البحار بأمواجها التي تلطم شواطئها حيناً وتداعبها حانية مقبلة حينا آخر - تدعوهم إلى القيام بمغامرات للوصول إلى أماكن بعيدة. لقد أغرت آلاف الطرق السلسة الميسرة الرجال القادرين على الحل والترحال ليكونوا دائما