وكان مرسم فيروتشيو جامعاً لخصائص النهضة، ذلك أن الفنون جميعها قد وجدت فيه في مشغل واحد، وكثيراً ما اجتمعت كلها في رجل واحد؛ فكان في وسعك أن تجد في مكان واحد فناناً يصمم بناء كنيسة أو قصر، وآخر يحفر أو يصب تمثالا، وثالثا يخطط صورة أو يرسمها بالألوان، ورابعاً يقطع جوهرة أو يرصع بها، وآخر يحضر أو يطعم العاج أو الخشب، أو يصهر المعدن أو يطرقه، أو يصنع الأعلام لموكب في عيد؛ وكان في وسع رجل مثل فيروتشيو، أو ليوناردو، أو ميكل أنجيلو، أن يقوم بهذه الأعمال كلها. وكانت فلورنس تضم كثيراً من هذه المدارس، وكان طلاب الفن يسيرون في الشوارع في غير احتشام (٢٧)، أو يعيشون عيشة بوهيمية يسكنون في الطوابق السفلى المستأجرة، أو يصبحون أثرياء يجلهم البابوات والأمراء كأنهم أرواح ملهمة لا تقدر بثمن، ويعلون على القانون-كما كان شأن تشيليني. وكانت فلورنس تجل الفن والفنانين ;أأكثر أكأكثر مما تجلهما مدينة أخرى عدا أثينة وحدها، وتتحدث عنهم وتقتتل من أجلهم، وتروي عنهم القصص (٢٨) كما نروي نحن قصص الممثلين والممثلات. وكانت فلورنس في عهد النهضة هي التي أوجدت الفكرة الوجدانية للعبقرية-أي للرجل الملهم بروح قدسية مستكنة فيه.
وخليق بالذكر أن مدرس فيروتشيو لم يترك وراءه مثًّالا عظيما عدا ليوناردو (الذي لم يكن مثالا خالصا بل جمع إلى عظمته في فن النحت