ورد روسو التحية بمثلها، ووعد بأن يزور فيللا المباهج عن عودته إلى سويسرا (١٣١). ولكن حز في نفسه كثيراً ذلك الاستقبال الذي استقبل به مقاله في جنيف التي أهداها إياه بمثل هذا المديح السار. والظاهر أن الأوليجاركية الصغيرة المحكمة التي تسلطت على الجمهورية أوجعتها بعض تعليقات ذلك المقال اللاذعة، ولم تسغ تنديد روسو الشامل بالملكية، والحكومة، والقانون "لم أحس أن جنيفياً واحداً سر بما حواه المقال من حماسة قلبية (١٣٢). وعليه فقد قررت أن الوقت لم يحن بعد لعودته إلى جنيف.
[٨ - المحافظ]
شهد عام ١٧٥٥، الذي نشر فيه المقال الثاني، ظهور مقال طويل بقلم روسو في المجلد الخامس من الموسوعة عنوانه، مقال في الاقتصاد السياسي. وهو جدير بالملاحظة لأنه خالف المقالين السابقين عليه في بعض تفاصيله الهامة. ففي هذا المقال نرى الكاتب يبجل المجتمع، والحكومة، والقانون، باعتبارها نتائج طبيعية لفطرة الإنسان وحاجاته، ويصف الملكية الخاصة بأنها عطية اجتماعية وحق أساسي. "من المؤكد أن حق الملكية أقدس حقوق المواطنة، بل أنه من بعض الوجوه أهم من الحرية ذاتها. فالملكية هي الأساس الصحيح للمجتمع المدني، والضمان الحقيقي لتعهدات المواطنين (١٣٣) بمعنى أن الناس لن يعملوا فوق ما تتطلب أبسط حاجاتهم ما لم يحتفظوا بالناتج الفائض لأنفسهم، ليستهلكوه أو ينقلوه لغيرهم كما يشاءون. ويوافق روسو الآن على أن يورث الآباء ثروتهم لأبنائهم، ويقبل في اغتباط ما يتمخض عنه هذا من انقسامات طبقية. "ما من شيء أضر بالفضيلة والجمهورية من انتقال المراتب والثروات باستمرار بين المواطنين: ومثل هذه التغيرات هي الدليل على وجود مئات من ضروب الخلل والاضطراب، وهي مصدرها في الوقت نفسه، ومن شأنها أن تقلب كل شيء رأساً على عقب وتفسده (١٣٤).
ولكنه يواصل التنديد بالظلم الاجتماعي وبما في القانون من محاباة طبقية. فكما أن من واجب الدولة أن تحمي الملكية الخاصة ووراثتها القانونية، كذلك