وراء هذا الذهن المتغير الأشكال والألوان، كان ثمة إنسان تجمل بفضائل كثيرة، كما أنه يبرأ من كل الأخطاء تقريباً، مما لعب كل منها دوره على مسرح حياته، وعند ما رسم فانلو لوحة لديدرو، أحتج هذا على أن الوجه في الصورة لم يظهر من صاحبه إلا جزءاً سريع الزوال، فلم يبرز إلا مجرد تعبير واحد عن حالة نفسية واحدة أو مزاج واحد وقال: إن لي مائة من التعبيرات المتباينة في كل يوم، تبعاً لحالتي النفسية أو مزاجي في كل لحظة: كنت هادئاً حزيناً حالماً رقيقاً عنيفاً منفعلاً متلهفاً. أن العلامات الخارجية الظاهرة لحالات ذهني الكثيرة المتباينة كانت تلاحق بعضها بعضاً بسرعة على وجهي إلى حد أن عين المصور وقعت على شخص مختلف من لحظة إلى أخرى ولم تقع على الشخص الحقيقي قط" (٩٥).
ومهما يكن من أمر فإن هذه الوجوه الكثيرة أندمجت شيئاً فشيئاً في قالب مركب، وتركت له التقاطيع والقسمات المجعدة التي نراها في اللوحة التي رسمها له جريز Greuze مثل قيصر أضناه الألتحام العنيف مع جيش من الأفكار والأعداء، كما أرهقته محاولاته التعبير بأدق عبارة وأجلى بيان عن قبوله أو رفضه أي عن قوله نعم أو لا. وكان له حاجبان عاليان يطلان على رأس نصف أصلع وأذنان كبيرتان وأنف كبير منحن، ولسان ناطق وذقن متجلد، وعينان سمراوان، ثقيلتان حزينتان، وكأنما تستذكران من الأخطاء ما لا يجوز تذكره، أو تتأكد من عدم قابلية الخرافة للتخريب، أو تلاحظان أرتفاع معدل السذاجة، وكان أمام الناس عادة يضع شعراً مستعاراً، وقد يخلعه إذا نسي نفسه في نشوة الحديث، وقد يلعب به أو يضعه على حجرة، وكان مستغرقاً في الحياة، ولم يكن لديه فسحة من الوقت للتظاهر.
ولم يذعن لأي إنسان في تقدير أخلاقه. وسلم "بأني قد يغلبني التأثر لحظة ولا ألبث إلا قليلاً حتى أعود سيرتي الأولى، الإنسان الصريح الوديع