امنصف المتسامح الأمين المحسن الذي يأسر الناس بحسن صنيعه. أستمر من فضلك في قصيدة المديح لأنها لم تكمل بعد. إني لم أذكر شيئاً بعد عن ذكائي". وساوره الشك في أن يوجد على ظهر البسيطة إنسان أكثر منه أمانة. وكان واثقاً من أنه حتى "أعمدة الكنيسة" تستطيع أن تعتمد على كلمته. وكتب إلى خليليته: " أية نفوس جميلة نفسك ونفسه" وهنا أدخل جريم في هذا الثالوث. وغمرته نشوة الفرح والأبتهاج وهو يتحدث عن مؤلفاته ورواياته واثقاً من خلودها. وأعتقد أن أخلاقه قويمة. والحق أنه أحتفظ بسيدة واحدة في وقت واحد. وتحدث عن نفسه على "أنه" الفيلسوف. "وسلم بوجود شبه بينه وبين سقراط وتساءل: "ماذا يهمني إذا كنت أدين بمناقبي ومآثري للطبيعة أو للخبرة ما دامت ثابتة وطيدة ولن يفسدها الغرور"(٩٦)؟
والواقع أن ديدرو تحلى بعظم الفضائل التي نسبها لنفسه، لقد كان أميناً بمعنى صريح، ولو أنه أقترف كثيراً من الكذب في شبابه. ولم يكن يتكلف أو يتظاهر، وكان وديعاً رفيعاً، اللهم إلا في الحديث، حيث كثيراً ما كان متهوراً، وفي بعض الأحيان خشناً جافاً إلى حد كانت تضطر معه مدام جيوفرين إلى تنبيه إلى التزام النظام واللياقة. إنه يقيناً كان شجاعاً لأنه أستمر يناضل حين تخلى عنه الكثير من أصدقائه، بل حتى نصحه فولتير بأن يكف. وكان منصفاً اللهم إلا مع التقوى ومع روسو، وقد ندرك فيما بعد أنه لم يكن يستسيغ كثيراً حساسية جان جاك روسو. وكان كريماً بلا منازع مستعداً لمعونة من يلجأون إليه، أكثر ثناء وأطراء للناس منه لنفسه. وقضي أياماً كثيرة في القيام بأعمال جريم في صحيفة كورسبندانس، "وصياغة محاولات أصدقائه الأدبية في الشكل الملائم. وساعد نفراً كبيراً من الفقراء بمنح قدمها إليهم من دخله المتواضع. وإذا عرض عليه أحد الصحفيين المحتاجين قطعة هجاء في ديدرو نفسه طالباً إليه أن يراجعها معللاً ذلك بأنه إنما يسعى وراء القوت أجابه ديدرو إلى طلبه وراجعها ونقحها. بل اقترح