من المدينة وأعادوا إليها الحكم الجمهوري. (١٦ مايو سينة ١٥٢٧). وابتهج مكيفلي لهذا العمل وطالب بمنصبه القديم منصب أمين مجلس العشرة الحربي، وكان يرجو أن يعود إليه؛ لكنه لم يجب إلى طلبه (١٠ يونية سنة ١٥٢٧)؛ ذلك أن صلابة آل ميديتشي قد أفقدته عطف الجمهوريين ومعونتهم.
ولم تطل حياته بعد هذه الصدمة؛ فقد خبث فيه جذوة الحياة والأمل وتركته جسداً بلا روح. وانتابه المرض، وكان يشكو من تقلصات شديدة في المعدة؛ واجتمع حول فراشه زوجته، وأبناؤه، وأصدقاؤه؛ واعترف أمام قسيس ومات ولما يمض على رفض طلبه غير اثني عشر يوماً، وخلف أسرته في الدرك الأسفل من الفاقة، وترك إيطاليا التي كان يعمل جاهداً لتوحيدها خراباً يبابا. ودفن في كنيسة الصليب المقدس، حيث أقيم له نصب جميل نقشت عليه هذه العبارة:"ليس في مقدور أي مديح أن يوفى هذا الاسم العظيم حقه" - وهو قول يشهد بأن إيطاليا التي توحدت آخر الأمر قد تجاوزت عن سيئاته وذكرت له أحلامه.
[٣ - الفيلسوف]
ولنبحث الآن الفلسفة "المكيفلية" بأكثر ما نستطيع من النزاهة فنقول إننا لا نجد عند غير مكيفلي مثل ما نجده عنده من الاستقلال في الرأي ومن التفكير الجريء المجرد من الخوف في عالم الأخلاق والسياسة، وإن من حق مكيفلي أن يدعي أنه قد شق طرقاً جديدة في بحار لم يكد يطرقها أحد قبله.
وفلسفة مكيفلي تكاد تكون فلسفة سياسية خالصة، ليس فيها شيء من فلسفة ما بعد الطبيعة، ولا اللاهوت، ولا الإيمان أو الكفر، ولا بحث في الجبرية أو القدرية؛ وحتى الفلسفة الأخلاقية نفسها لا تلبث أن تنحني