جانبا لأنها بوصفها فلسفة تابعة للسياسة، وتكاد تكون أداة لها. وهو يفهم السياسة على أنها الفن العالي الذي يراد به إيجاد دولة، أو الاستيلاء عليها، أو حمايتها، أو تقويتها؛ وهو يهتم بالدولة لا بالإنسانية عامة؛ ولا يرى في الأفراد إلا أنهم أعضاء في دولة، إلا إذا نظر إليهم من حيث أنهم يساعدون على تقرير مصيرها؛ وهو لا يعني قط باستعراض الأفراد على مسرح الزمان. وهو يريد أن يعرف لم تنشأ الدول وتسقط، وكيف يمكن تأخير اضمحلالها المحرم إلى أبعد ما يستطاع من الوقت.
وهو يرى أن فلسفة التاريخ وعلم الحكم أمكن وجودهما لأن الطبيعة البشرية لا تتبدل أبداً:
" يقول الحكماء، ولهم الحق فيما يقولون، إن من شاء أن يتنبأ بالمستقبل فعليه أن يرجع إلى الماضي؛ لأن الأحداث البشرية تشابه دائماً أبداً أحداث الأزمنة الماضية. ومنشأ هذا التشابه أنها ثمرة أعمال خلائق كانوا، ولا يزالون؛ وسيكونون على الدوام، تحركهم نفس العواطف والانفعالات، ولهذا فإن هذه العواطف والانفعالات لابد أن تكون النتائج نفسها (٨٤) … وأنا أعتقد أن العالم كان هو يعينه على الدوام، وأنه كان يحتوي دائماً كل ما يحتويه الآن من خير وشر، وإن كان هذا الخير وذاك الشر يختلف توزيعهما بين الأمم باختلاف الأوقات"(٨٥).
وظاهرتا نشأة الحضارات والدول واضمحلالها من أكثر الظواهر المتتابعة المنتظمة دلالة في التاريخ. وهنا يواجه مكيفلي مشكلة معقدة غاية في التعقيد بقانون بسيط غاية البساطة فيقول: "الشجاعة تنتج السلم؛ والسلم تنتج الراحة، والراحة تستتبع الفوضى، والفوضى تؤدي إلى الخراب. ومن الفوضى ينشأ النظام، والنظام يؤدي إلى الشجاعة ( Virtu) ، ومن هذه ينال المجد والحظ الحسن. ومن أجل هذا قال الحكماء إن عهد السمو الأدبي يأتي في أعقاب التفوق الحربي؛ وإن … المحاربين العظام ينشئون قبل