الفلاسفة" (٨٦). وقد تكون هناك أسباب أخرى لنشأة الأمم واضمحلالها غير الأسباب العامة وهي عمل القادة والزعماء من الأفراد وتأثيرهم؛ من ذلك أن مطامع الحاكم المتطرفة، التي تعميه فلا يرى أن موارده لا تكفي لتحقيق أغراضه، قد تكون سبباً في خراب دولته إذ تجرها إلى الاشتباك في الحرب مع دولة أعظم منها قوة. وللحظ والمصادفات كذلك أثر في قيام الدول وسقوطها. "فالحظ هو الذي يتحكم في نصف أعمالنا، ولكنه يترك لنا مع ذلك القدرة على توجيه النصف الآخر" (٨٧). وكلما كثر نصيب للإنسان من الشجاعة قل خضوعه لتقلبات الحظ واستسلامه له.
وتاريخ دولة ما يتبع قوانين عامة، يحددها ما تنطوي عليه طبيعة الناس من خبث وشر. والناس كلهم بطبيعتهم مقتنون، مخادعون، مخاصمون، قساة، فاسدون.
"ومن أراد أن ينشئ دولة، ويضع لها قوانين، فليفترض من بادئ الأمر أن الناس جميعاً أشرار، مستعدون على الدوام لأن يكشفوا عن خبث طويتهم إذا وجدوا الظروف الملائمة لهذا العمل؛ فإذا ما ظلت ميولهم الخبيثة مختفية إلى حين، فيجب أن يعزى اختفاؤها هذا إلى سبب غير معروف؛ ومن واجبنا أن نفترض أنها لم تجد الظروف الملائمة للكشف عن نفسها؛ ولكن الزمن … لن يعجزه الكشف عنها … والرغبة في الاقتناء من الغرائز الفطرية العامة في واقع الأمر، والناس جميعا يقتنون حين يستطيعون؛ ولهذا فإنهم يمدحون على ذلك ولا يلامون عليه" (٨٨).
وإذا كان الأمر كذلك فإن الطريقة الوحيدة لجعل الناس أخياراً - أي قادرين على أن يعيشوا بنظام في مجتمع - هي أن يطبق عليهم القسر، والخداع، والاعتياد واحداً بعد واحد. ومن هذا تنشأ الدولة: تنظيم القوة على يد الجيش والشرطة، ووضع القواعد والقوانين، وتكوين العادات تدريجياً للاحتفاظ بالزعامة والنظام في الجماعة البشرية. وكلما كانت