للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدولة أكثر نماء. قلت الحاجة إلى استخدام القوة أو ظهورها فيها؛ واكتفى بدلا منها بالتعليم وغرس العادات، لأن الناس يكونون في يدي المشرع أو الحاكم القدير أشبه بالصلصال اللين في يدي المثال.

والين خير وسيلة لتعويد الناس الذين فطروا على الشر الخضوع إلى القانون والنظام. ويكتب مكيفلي الذي يسميه باولو جيوفيو Paolo Giovio أحد المعجبين به الكافر الهجاء (٨٩)، عن الدين حماسة بالغة يقول:

"لم تر الآلهة أن الشرائع التي وضعها رميولوس كافية لروما، وإن كان هذا الأمير هو الذي أنشأها … ، ولهذا أوحت إلى مجلس الشيوخ الروماني أن يختار نوما بمبليوس Numa Pompilius خليفة له … ووجد نوفا شعباً متوحشاً أشد التوحش، أراد أن يغرس فيه عن طريق فنون السلم عادة الطاعة المدنية، فلجأ إلى الدين الذي رآه أقوى مؤيد للمجتمع المدني وألزمه، فأقامه على أسس بلغ من قوتها أن مضت قرون طوال دون أن يوجد في مكان ما خوف من الآلهة أكبر مما كان في هذه الجمهورية. وقد يسر هذا تيسيراً كبيراً جميع المشروعات التي حاول القيام بها مجلس الشيوخ أو كبار اعضائه … وقد أدعى نوما أنه تحدث إل إحدى الحور، وأنها أملت عليه كل ما يريد أن يقنع به الناس … والحق أنه لم يوجد قط مشرع عظيم … لم يلجأ إلى القوة الإلهية، وإلا لما أطاع الناس شرائعه؛ لأن ثمة شرائع صالحة كثيرة يدرك المشترع الحكيم أهميتها، ولكن أسباب وضعها لا تتضح للناس وضوحاً يكفي لأن يمكنه من إقناع غيره من الناس بإطاعتها؛ وهذا هو السبب الذي يجعل العقلاء من الناس يلجئون إلى السلطة الإلهية ليتغلبوا على هذه الصعوبة (٩٠) … واتباع الأنظمة الدينية هو سبب عظمة الجمهوريات؛ وإهمال هذه النظم يؤدي إلى خراب الدول؛ ذلك أنه إذا انعدم من بلد ما خوف الله، قضي على هذا البلد لا محالة؛ إلا إذا دعمه خوف الأمير وهو خوف يمكن أن يعوض فترة من الزمن ما ينقص