هذا البلد من خشية الله. لكن حياة الأمراء قصيرة … (٩١).
"وإذا أراد الأمراء أن يبقوا على أنفسهم … وجب عليهم قبل كل شيء أن يحافظوا على نقاء الشعائر الدينية، وأن ينظروا إليها بالاحترام اللائق بها؛ وهذا بعينه يصدق على الجمهوريات، فهي لا بقاء لها إلا إذا حافظت على هذا النقاء ووجهت إلى تلك الشعائر هذا الاحترام نفسه (٩٢) … واكثر من يستحق الثناء ممن نالوا هذا الثناء هم الذين أنشئوا الأديان وأقاموها. ويليهم في هذا الذين أقاموا الجمهوريات أو الممالك. وأعظم الناس بعد هؤلاء وأولئك هم الذين قادوا الجيوش ووسعوا أملاك بلادهم. وقد نضيف إليهم رجال الأدب … وعكس هذا أيضاً صحيح. فالذين يهدمون صرح الدين، ويقضون على الجمهوريات والممالك والذين هم أعداء الفضيلة والآداب، أولئك يجللهم العار. وتصب عليهم اللعنات من الناس أجمعين"(٩٣).
وبعد أن ارتضى مكيفلي الدين بوجه عام انتقل إلى الدين المسيحي فأخذ يوجه إليه أشد النقد لأنه عجز عن إيجاد مواطنين طيبين. ذلك ان حول أكثر ما يجب تحويله من العناية إلى السماء، وأضعف الناس بأن أخذ يدعوهم إلى الفضائل النسوية وفي ذلك يقول:
"إن الدين المسيحي يدعونا إلى الاستخفاف بحب الدنيا، ويجعلنا أكثر رقة وليناً. أما القدماء فكانوا عكس هذا، كانوا يجدون أعظم أسباب بهجتهم في هذا العالم … ولم يكن دينهم يقدس إلا الذين يتوج هاماتهم مجد هذا العالم الأرضي، كقواد الجيوش، ومؤسسي الجمهوريات؛ على حين أن ديننا نحن قد مجد الوادعين الذين يقضون زمانهم في التأمل والتفكير بدل أن يمجد رجال العمل. وقد جعل هذا الدين أعلى درجات الخير الذلة، وضعف العزيمة، واحتقار الأمور الدنيوية؛ أما الدين القديم فكان يجعل أعلى درجات الخير عظم العقل، وقوة الجسم، وكل ما يبعث في الناس