قتل شروى أباه وتّوج ملكاً باسم كفاده الثاني، ثم عقد الصلح مع هرقل ونزل له عن مصر، وفلسطين، وسوريا، وآسية الصغرى، وغربي الجزيرة، وأعاد الأسرى الذين أخذهم الفرس إلى بلادهم: وردَّ إلى أورشليم بقايا الصليب المقدس. وابتهج هرقل -وحق له أن يبتهج- بهذا النصر المؤزر، ولكنه، لم يكن يعرف أنه في اليوم الذي أعاد فيه الصليب المقدس إلى موضعه في الضريح عام ٦٢٩ قد هاجمت سرية من العرب حامية يونانية بالقرب من نهر الأردن. وفي ذلك العام نفسه فشا وباء فاتك في بلاد الفرس، أودى بحياة آلاف من أهلها ومنهم الملك نفسه. وعلى أثر موته نودي بابنه أردشير الثالث -ولم يكن قد جاوز السابعة من عمره- ملكاً على الفرس. ولكن قائداً يدعى شهربراز قتل الغلام واغتصب العرش. ثم قُتِل شهربراز نفسه بأيدي جنوده، وجرّ أولئك الجنود جثته في شوارع المدائن وهم يصيحون:"هذا مصير كل من جلس على عرش بلاد فارس ولم يكن يجري في عروقه الدم الملكي"، ذلك أن الجماهير أكثر ملكية من الملوك. وسادت وقتئذ الفوضى في تلك البلاد التي أنهكتها الحروب مدى ستة وعشرين عاماً، وفشا في الدولة التفكك الاجتماعي بعد أن عمها الفساد الأخلاقي بتأثير الثروة التي جاءت في أعقاب النصر الحربي (٦٨)، وقام تسعة من الحكام يتنازعون عرش البلاد في خلال أربع سنوات، ثم اختفوا كلهم مقتولين أو هاربين أو ميتين ميتة طبيعية أو شاذة. وأعلنت بعض الولايات، بل بعض المدن نفسها، استقلالها عن الحكومة المركزية بعد أن عجزت هذه الحكومة عن بسط سلطانها على البلاد. ووضع