وآخر ألوان الأدب، وأعسرها فهماً علينا، هي المسرحية اليابانية؛ فما دمنا قد نشأنا في جو من تقاليد المسرح الإنجليزي الذي يبدأ من رواية هنري الرابع وينتهي برواية "مارية اسكتلندة"، فكيف يمكن أن نعد آذاننا إعداداً يتقبل المسرحيات الغنائية اليابانية بما فيها من إطناب وحركات صامتة بالنسبة إلينا؟ إنه لابد لنا من نسيان شكسبير والعودة إلى "إفريمان"، بل والعودة إلى ما هو أبعد من ذلك في الماضي، إلى الأصول الدينية للمسرحية اليونانية والمسرحية الأوروبية الحديثة؛ عندئذ نجد ما يعيننا على متابعة تطور التمثيل الصامت الشنتوي القديم، والرقص الكهنوتي المسمى "كاجورا"، حتى أصبح هذه الصورة التمثيلية الناطقة بالحوار، التي تتألف منها المسرحية الغنائية عند اليابانيين؛ ففي نحو القرن الرابع عشر أضاف الكهنة البوذيون أناشيد جوقية إلى التمثيل الطقوسي الصامت، ثم أضافوا إلى ذلك شخصيات فردية، ودبروا حبكة للمسرحية بحيث تفسح المجال أمام هذه الشخصيات فتفعل الأفعال كما تقول الكلام، ومن ثم ولدت المسرحية (٤٠).
كانت هذه المسرحيات - مثل المسرحيات اليونانية - تُؤدي في ثلاثيات وكانوا يمثلون في الفترات التي بين الفصول أحياناً، ما يطلقون عليه "كيوجن" أي المهازل (أو التهريج) قاصدين بذلك أن يخففوا ويلطفوا من حدة العاطفة والفكر؛ أما الجزء الأول الثلاثي المسرحي فقد كانوا يخصصونه لاسترضاء