ترى ماذا كان شأن الآلهة القديمة في ذلك العهد، عهد التحول السريع الذي لا يبقى ولا يذر؟ يلوح أن شيئاً من الكفر بهذه الآلهة قد سرى من الأشراف إلى عامة الشعب؛ وإلا فكيف يرضى شعب لا يزال يؤمن بالآلهة القديمة عن هذه المسرحيات الهزلية التي يسخر فيها بلوتس Plautus- مهما كانت حجته في أنه إنما يحاكي النماذج اليونانية- من أعمال جوبتر مع ألكمينا Alcmena، ويجعل من عطارد مهرجاً ضحكة، ثم هو لا يرضى عن هذا فحسب بل يحيى هذه المشاهد بالصخب والضجيج. إن كاتو نفسه وهو الحريص على العادات القديمة، كان يعجب من قدرة اثنين من العرافين إذا التقيا على ألا يسخر كلاهما من الآخر (٢١). لقد طالما خضع هؤلاء العرافون لأساليب الختل السياسية؛ وكثيراً ما كان الفأل والطيرة ينطق بهما لتكييف الرأي العام كما يهوى الزعماء، وكثيراً ما كانت أصوات الشعب في الاقتراع على أمر من الأمور تكفيها وسائل التهريج والشعوذة الدينية. ولطالما رضى الدين بأن يُحَوَّل استغلال الشعب إلى واجب مقدس تتطلبه الآلهة.
ولقد عاش من الدلالات السيئة أن يكتب بولبيوس حوالي عام ١٥٠ ق. م، بعد أن عاش سبعة عشر عاماً في أرقى المجتمعات في رومه، ما يستدل منه على أن الدين الروماني لم يكن إلا أداة طيعة من أدوات الحكم:
"إني أرى أن الميزة التي تمتاز بها الجمهورية الرومانية، والتي ترفع من قدرها فوق سائر بلاد العالم، إنما هي طبيعة دينها. ذلك أن ما يعد عند الأمم الأخرى عيباً من العيوب وسبة في الأعقاب- وهو الخرافات- لهو نفسه