وبالوقار إلا حبه لبلده ولعقيدته. وأنحت باللائمة على نوابها لإخفاقهم الذي كان من أسبابه تقتيرها هي، حيث عجزوا عن دفع رواتب الجند الذين وجدوا أنه من الأربح لهم أن يسلبوا الإيرلنديين من أن يحاربوهم. وتذبذبت بين المهادنة والإرهاب، ولم تلتزم قط سياسة واحدة إلى نقطة حاسمة. وأسست كلية ترنتي وجامعة دبلن (١٥٩١) ولكنها تركت الإيرلنديين أميين كما كانوا من قبل. وبعد إنفاق عشرة ملايين من الجنيهات، تمخض السلام الذي أمكن الوصول إليه عن بيداء قاحلة غطت نصف الجزيرة الجميلة، وعن روح كراهية لا توصف سادت الجزيرة بأسرها، تنتظر الفرصة الملائمة لتستأنف القتل والتخريب من جديد.
[٩ - إليزابث وإسبانيا]
كانت الملكة في خير حال لدى تدبير الأمر مع أسبانيا، لقد مدت للملك فيليب حبل الأمل في أن تكون زوجاً له أو لابنه، وحبل الأمل في الظفر بإنجلترا مقابل خاتم العرس. وتذرع فيليب بالصبر حتى نفر منه أصدقاؤه وابتعدوا عنه، وقويت إليزابث، فلربما رجاه البابا والإمبراطور وملكة إسكتلندة المنكودة الطالع أن يغزو إنجلترا، ولكنه كان شديد الارتياب في فرنسا، وكان يلاقي أشد المتاعب في الأراضي الوطيئة، إلى حد لا يجرؤ معه على أن يوجه ضربة لا يمكن التبؤ بنتائجها في لعبة السياسة. ولم يكن يضمن ألا تنقض فرنسا على الأراضي الوطيئة الأسبانية في اللحظة التي يتورط فيها إنجلترا. وكان يتردد في تشجيع الثورة في أي بلد، أو على طريقته في التباطؤ الثقيل، وثق بأن إليزابث قد تجد في الوقت المناسب مخرجاً أو آخر من الخارج التي وهبتها إيانا الطبيعة الحاذقة في حياتنا، مع ذلك لم يتعجل تسليم عرش إنجلترا إلى فتاة اسكتلندية وقعت في غرام فرنسا. ومنع لعدة سنوات، البابا من إعلان قرار حرمان إليزابث من الكنيسة. واحتمل في صمت كئيب معاملتها للكاثوليك في إنجلترا، واحتجاجاتها على معاملة الإنجليز البروتستانت في أسبانيا، وحافظ، قرابة ثلاثين عاماً على السلام، بينما شن القراصنة الإنجليز، بأمر من الحكومة، الحرب على مستعمرات أسبانيا وتجارتها.