إن طبيعة الإنسان لتكشف عن نفسها في سلوك الدول، لأن هذه الدول ليست إلا أشخاصاً في جملتها، وهي تتصرف على نفس النسق الذي يحتمل أن الإنسان كان يتصرف عليه قبل أن يفرض الدين والقوة أخلاقاً وقوانين. وإن الضمير ليسير وراء رجل الشرطة، ولكن لم يكن ثمة رجال شرطة من أجل الدول. ولم يكن ثمة "وصايا عشر" على البحار، وإنما قاما التجارة بإذن من القراصنة، واستخدمت مراكب القراصنة الصغيرة مداخل الشاطئ الإنجليزي مخابئ لها، ومنها انطلقت لتستولي على كل ما يمكن أن تستولي عليه-وإذا كان الضحايا من الأسبان كان للإنجليز أن ينعموا بالحماسة الدينية التي يجدونها في سلب ونهب رجل ينتمي إلى البابا. ودرب رجال جسورون من أمثال جون هوكنز وفرانسيس دريك عدداً كبيراً من القراصنة وكأن البحار ملك لهم. وتبرأت إليزابث منهم وأنكرتهم، ولكنها لم تعكر صفوهم أو تزعجهم، لأنها رأت في القراصنة نواة أسطول لها، وفي هؤلاء المغامرين أمراء البحر لها في المستقبل. وصار ثغر الهيجونوت "لاروشيل" مكاناً أثيراً للقاء بين قوارب الإنجليز والهولنديين والهيجونوت، "تنقض من على تجارة الكاثوليك أياً كان العلم الذي ترفعه (٩٦) "، وعلى تجارة البروتستانت أيضاً، عند الحاجة.
ومن هذه القرصنة عبر هؤلاء المغامرون إلى تجارة الرقيق الرائجة التي كانت قد بدأها البرتغاليون قبل ذلك بقرن من الزمان. وكان المواطنون في المستعمرات الأسبانية في أمريكا يموتون تحت تأثير الكدح المضني الذي لا يتناسب مع بيئتهم أو مع المناخ الذي يعيشون فيه. واقتضى الأمر المطالبة بسلاسة من العمال أشد وأقوى. واقترح المدافع عن المواطنين. لاس كاساس، نفسه، على شارل الأول ملك أسبانيا أن زنوج أفريقية أقوى من هنود البحر الكاريبي، ويجب نقلهم إلى أمريكا لينهضوا بالعمل الشاق من أجل الأسبانيين هناك (٩٧). ووافق شارل، ولكن فيليب استنكر هذه التجارة، وأمر الحكام الأسبان في أمريكا أن يمنعوا استيراد العبيد إلا بترخيص من الإدارة المحلية في أسبانيا (٩٨) - وهذا أمر عسير وباهظ التكاليف. وقاد هوكنز وهم يعلم أن بعض الحكام الأسبان يراوغون في هذه القيود- ثلاث سفن إلى أفريقية (١٥٦٢) وقبض على ٣٠٠ من الزنوج، وأخذهم إلى جزر الهند الغربية، وباعهم