للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[٥ - المونادات]

التقى ليبنتز عندما كان في فيينا في ١٧١٤ بالأمير يوجين من سلفوي، الذي كان هو ومالبورو قد أنقذا أوربا من ربقة الخضوع للملك لويس الرابع عشر، وطلب الأمير الفيلسوف أن يعد له بياناً موجزاً عن فلسفته بشكل يتيسر معه على القائد العسكري قراءته. واستجاب ليبنتز لهذا الطلب بإعداد رسالة محكمة موجزة من تسعين فقرة، تركها بين أوراقه عند مماته. ونشرت لها ترجمة ألمانية في ١٧٢٠. ولم يطبع النص الأصلي الفرنسي إلا في ١٨٣٩، والمحرر هو الذي أسماه "المونادلوجيا" (علم الجواهر الروحية) وربما أخذ ليبنتز اصطلاح موناد عن جيورانو برونو (٤٩)، أو عن فرانس فان هلمونت (ابن الكيميائي ج، ب) (٥٠)، الذي استخدم اللفظة لوصف "البذور" الدقيقة جداً، التي خلقها الله هي وحدها مباشرة، والتي تورطت إلى كل أشكال المادة والحياة. وكان أحد الأطباء الإنجليز، فرانسيس جليسون قد نسب، لا القوة وحدها، بل كذلك الغريزة والأفكار إلى كل الجواهر (١٦٧٢). وكانت نظرية شبيهة بهذه قد نبتت في ذهن ليبنتز المتفتح الدؤوب منذ ١٦٨٦. وربما تأثر بعمل الميكروسكوبيين الحديثين الذين عرضوا الحياة النابضة في أصغر الخلايا. وخلص ليبنتز إلى أن "هناك عالماً من الكائنات المخلوقة-الأشياء الحية، والحيوانات .... والأنفس .... ، في أصغر جزء من المادة- (١٥١) ". وكل جزء من المادة يمكن تصوره على أنه الأسماك الميكروسكوبية، إنما هي بركة أخرى مملوءة بالسمك، وهكذا إلى ما لا نهاية-لقد هزت مشاعره-كما كانت قد روعت بسكال-قابلية القسمة اللامتناهية لأي شيء ممتد.

وأوحى ليبنتز بأن قابلية القسمة التي لا نهاية لها، لغز ناشئ عن مفهومنا للحقيقة بأنها مادة، ومن ثم فهي ممتدة وقابلية للقسمة إلى حد الغثيان. أننا إذا اعتبرنا الحقيقة النهائية طاقة وتصورنا العالم مكوناً من مراكز قوة، لاختفى سر أو لغز قابلية القسمة، لأن القوة مثل الفكر لا تنطوي ضمناً على امتداد. وعلى هذا رفض ذرات ديكارت على أنها المكونات النهائية للكون، وأحل محلها المونادات، وهي وحدات غير