توجه نفسها عن طريق الأمثلة فحسب"، فهي، بقدر ما نستطيع الحكم عليها، لا يمكن أن تصل أبداً إلى تشكيل القضايا أو الافتراضات الضرورية (٤٣).
أن مبدأ "السبب الكافي" بكفي "لإقامة الدليل على وجود الله وكل أجزاء الميتافيزيقا الأخرى أو اللاهوت الطبيعي (٤٤)". وبهذا المعنى تكون فكرتنا عن الله فطرية، ولو أن الفكرة في بعض الأذهان أو عند بعض القبائل لا واعية أو مهوشة، ويمكن أن نقول مثل هذا على فكرة الخلود (٤٥) -والإحساس الخلقي فطري، لا في مضمونه النوعي أو الخاص، أو في أحكامه التي قد تختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان، بل بوصفه وعياً للفرق بين الصواب والخطأ. وهذا الوعي عام شامل (٤٦).
والذهن، في علم النفس عند ليبنتز، فعال نشيط، لا لمجرد أنه يدخل بمقتضى تركيبه وعمله في تكوين كل فكرة فحسب، بل كذلك في استمرار نشاطه دون انقطاع. وحيث أن ليبنتز استخدم لفظة "يفكر" بمعناها الواسع عند ديكارت، بمعنى أنها تشمل كل العمليات العقلية، فإنه اتفق مع الديكارتيين في أن الذهن يفكر دائماً. سواء أكان مستيقظاً أم غير واع أو نائماً. "أن أية حالة بلا تفكير في النفس ولا راحة مطلقة في الجسم، تبدو لي مناقضة للطبيعة، ولا مثيل لها في الدنيا، بقدر سواء (٤٧)". وبعض العمليات العقلية تتم فيما وراء نطاق العقل (في العقل الباطن) "من الخطأ البين الاعتقاد بأنه ليس في النفس مدركات إلى جانب تلك المدركات الحسية التي تعيها (٤٨) ". وبمثل هذه القضايا التي أوردها ليبنتز، بدأ علم النفس الحديث جهوده في التنقيب عما أسماه بعض الباحثين الذهن اللاواعي، وما اعتبرته الأرواح القوية متعلقاً بالمخ، أو عمليات أخرى جسدية لم تثر الوعي.
ولدى ليبنتز الشيء الكثير مما يمكن أن يقول عن العلاقة بين الجسم والنفس، ولكنه هناك يترك علم النفس، ويحلق في الميتافيزيقا، ويطلب إلينا أن ننظر إلى العالم بأسره على أنه مونادات نفسية بدنية، ذوات صفات عقلية وبدنية معاً.