العناصر الداخلية في التفكير. وعلى النقيض من ذلك، جادل ليبنتز في أن الذهن من نفسه يمد بأصول أو ألوان معينة من الفكر، مثل "الوجو، الجوهر، الوحدة، الهوية، العلة، الإدراك الحسي، العقل، وانطباعات كثيرة أخرى لا يمكن أن تعطيها الحواس (٣٧) "، وأن أدوات العقل هذه، أو أعضاء الهضم العقلي "فطرية"، لا بمعنى أننا على وعي بها عند الولادة، أو أننا دائماً على وعي بها عند استخدامها، بل بمعنى أنها جزء من التركيب أو الكيان الأصلي، أو "الاستعدادات الطبيعية" للذهن. وأحس لوك بأن هذه الأصول المفترض أنها فطرية تجري تنميتها وتطويرها تدريجياً بتفاعل الأفكار الحسية أصلاً، في الفكر، ولكن بدون مثل هذه الأصول، كما قال ليبنتز منازعاً، لن يكون هناك أفكار، بل مجرد تعاقبات مهوشة من الأحاسيس، تماماً مثلما أنه بدون عمل المعدة وعصاراتها الهضمية لا يغذينا الطعام، ولن يكون طعاماً. وعند هذا الحد أضاف في جرأة: أن كل الأفكار فطرية-أي أثر عملية التحويل في الذهن على الأحاسيس. ولكنه سلم بأن الأصول الفطرسية عند الولادة مهوشة وغير متميزة، ولا تصبح واضحة إلا عن طريق الخبرة والاستخدام.
والأصول الفطرية، في رأي ليبنتز، تشمل كل "الحقائق الضرورية، مثل تلك الموجودة في الرياضة البحتة (٣٨)، لأن الذهن، لا الإحساس، هو الذي يزود بأصل الحاجة والضرورة، وكل شيء حسي هو فردي طارئ أو أحتمالي، ويمدنا، على أحسن الفروض، بتعاقب متكرر، لا بتعاقب ضروري أو علة ضرورية (٣٩). (وكان لوك قد سلم بهذا (٤٠)). واعتبر ليبنتز أن كل غرائزنا وإيثارنا اللذة على الألم وكل قوانين العقل، فطرية (٤١) -ولو أنها جميعاً لا تصبح واضحة إلا بالخبرة: مبدأ التناقض-فالبيانات المتناقضة لا يمكن أن تكون صحيحة في وقت واحد. "إذا كانت أدائرة، فهي ليست مربعاً"، ومبدأ السبب الكافي-"لا يحدث شيء دون سبب لحدوثه على النحو الذي حدث عليه" لا على نحو آخر (٤٢) "وذهب ليبنتز إلى أن الذكاء البشري يختلف عما لدى الحيوان من معرفة، في أنه يستنتج أفكاراً عامة من خبرات معينة، عن طريق استخدام أصول العقل الفطرية، أما الحيوانات فهي تعتمد كل الاعتماد على الخبرة العملية،