ليبنتز "أبحاث جديدة في العقل الإنساني". وإذ علم بوفاة لوك ١٧٠٤ لم يتق التغليق، ولم ينشر إلا في ١٧٦٥، فتأخر ظهوره، فلم يكن له دخل في تأثير لوك العميق على فولتير وغيره من النجوم اللامعة في عصر الاستنارة في فرنسا، ولكنه جاء في الوقت المناسب ليسهم في تشكيل الفتح الجديد في كتاب كانت "نقد العقل الخالص". وهو من أهم مؤلفات في تاريخ علم النفس.
إنه من حيث الشكل حوار بين "فلاليثس Philalethes ( حبيب الحق) الذي يمثل لوك، "وثيوفيلوس Theophilus ( حبيب الله) الذي يمثل ليبنتز. والحوار رصين مفعم بالحيوية، لا يزال تطيب قراءته لكل من أوتي ذهناً حاداً وفراغاً بغير حدود. وتظهر المقدمة ليبنتز في أعظم حالاته النفسية دماثة وكياسة، مصرحاً في تواضع بأنه يكسب قراءّ بالتزامه البحث في "مقال في العق الإنساني" الذي كتبه رجل إنجليزي لامع، وهو من اجمل المؤلفات التي حظيت بأعظم التقدير في هذه الفترة. والمسألة المطروحة للبحث، مبسوطة بوضوح جدير بالثناء: نريد أن نعرف هل النفس في حد ذاتها خالية تماماً، مثل الألواح الت يلم يكتب عليها شيء بعد، طبقاً لما قال به أرسطو وكاتب المقال، وهل كل ما يمكن تبعه بعد ذلك، يأتي فقط من الحواس والخبرة، أو هل تحتوي النفس أساساً على أصول كثير من الأفكار والمبادئ التي توقظها الأشياء الخارجية مجرد إيقاظ في المناسبات، كما اعتقد أنا ويعتقد أفلاطون (١)(٣٣). ومن رأي ليبنتز أن الذهن ليس وعاء سلبياً للخبرة، بل هو عضو مركب يحول بمقتضى تركيبه ووظائفه معطيات الإحساس، مثلما أن الجهاز الهضمي ليس مجرد كيس فارغ، بل جهاز أعضاء لهضم الطعام وتحويله إلى متطلبات الجسم وأعضائه. وفي عبارة شهيرة معبرة بارعة لخص ليبنتز كلام لوك ونقحه، ليس في الذهن شيء لم يكن في الحواس إلا الذهن نفسه (٣٦)". أن لوك، كما لحظ ليبنتز، كان قد اعترف بأن الأفكار قد تأتي من "التفكير" الإستبطاني، مثلما قد تأتي من الإحساس الخارجي، ولكنه كان قد نسب إلى أصل حسي كل
(١) كتب لوك أن الذهن عند الولادة عبارة عن "ورقة بيضاء خالية" (٣٤). ولكنه لم يستخدم عبارة "لوح نظيف". وهي ترجمة توما الأكويني لقطعة من أرسطو في موضوع "النفس" (٣٥).