بأنه رجل توفر على البحث في مختلف العلوم، واستقصاء آثارها ونتائجها سعياً للوصول إلى أسبابها وأصولها ومبادئها، ويطلق الفيلسوف كذلك على رجل يحيا حياة عادية منعزلة، بعيداً عن صخب الدنيا ومتاعبها. ولقد يطلق أحياناً على الرجل الهوش الذهن الذي يعتبر نفسه فوق مسئوليات الحياة المدنية وتبعاتها (١).
ومن الفقرة الأولى من هذا التعريف يتبين أنه لم يكن بعد ثمة تمييز بين الفلسفة والعلم، فالعلم باعتباره "فلسفة طبيعية" يمكن أن يكون فرعاً من الفلسفة، حتى القرن التاسع عشر. ومن العبارة الأخيرة من هذا التعريف نستنتج أن "الأربعين الخالدين" في عهد لويس الرابع عشر قد اشتموا رائحة الثورة في جو الفلسفة، وكأن المبشرين بعصر الاستنارة أو رواده الأوائل كانوا قد افتتحوا بخطاب تمهيدي.
وبين التفريعات الثلاثة لهذا التعريف تذبذب التراث العقلي لرينييه ديكارت بين ذيوع الصيت والإنكار. وكان للتراث نفسه ثلاثة أبواق، ردد أحدها صوت الشك أساساً واستهلالاً لكل فلسفة، وأعلن الثاني عن الآلية الشاملة للعالم الخارجي، وأما الثالث فقد عزف ألحان الترحيب بالعقيدة التقليدية، وأخرج الله والإرادة الحرة والخلود من دوامة العالم. وكان ديكارت قد بدأ بالشك وانتهى بالتقوى، واستطاع خلفاؤه أن يتناولوه على أي من الوجهين. إن نساء الندوة القديمة-